الموضوع ممكن يضايق البعض او يزعلهم ، لكن فى النهايه هى وجهات نظر واجتهاد ارجوا ان اثاب عليه وليست فتوى
سبق ان اتكلمنا فى بوست سابق عن مفهوم القيمة الزمنية للنقود او العملات ، واخبرتك ان كافة العملات تنخفض قيمتها بمرور الزمن ، سواء كانت جنيه مصرى او دولار امريكى او ين يابانى ، لافارق ، كلها ستنخفض بمرور السنين بنسب متفاوته حسب
معدلات التضخم فى كل دوله و من بعدها معدلات الفائدة
تكلمنا ايضا ان ما تاخذه من البنك تحت اسم العائد ، ليس ( ربحا ) او ( فايده) بالمعنى المفهوم للربح ، وانما هو فى الحقيقه نوع من التعويض عن انخفاض القيمه مع الزمن بسبب العاملين اللى اتكلمنا عنهم ، التضخم و بالتالى سعر الفائدة ، و(عادة) التعويض ده مبيكونش اعلى من معدلات التضخم ، و(غالبا) بيكون اقل منها
اليوم لن نتناول الاقتصاد الاسلامى من الناحيه الدينيه ، فهذه لها مختصين ، كما انى تعلمت انه لا جدوى من النقاش والجدل فى شيئين
الايدولوجيا و الانتماء الرياضى
المهم هنتكلم احنا بقى من الناحيه الاقتصاديه فقط ورجاء من يرغب فى التعليق او النقاش او الجدال من ناحية فهمه للدين فعليه ان يحتفظ بتعليقه لنفسه ، اما النقاش الاقتصادى فمرحبا به
من الملاحظ ان اغلب ما كتب فى الاقتصاد الاسلامى ، حتى من قبل الاقتصاديين المتحمسين له ، كان مبنيا على (فهمهم للناحيه الشرعيه ) ولم يكن مبنيا بالاساس على الجانب الاقتصادى نفسه ، وفهمهم ده اعتمد بالاساس على الفقه القديم دون النظر الى ان علم الاقتصاد يعد علما مستحدثا لاحقا لهذا الفقه فى التاريخ (يعنى اختراع علم الاقتصاد الحديث جاء بعد علم الفقه بقرون وبالتالى لم يكن معلوما لدى الفقهاء القدامى)
وباختصار فان نظرتهم الاقتصاديه مبنيه على ان ( سعر الفائدة حرام ) و (ربا) وبالتالى لابد من بديل ، ولايجاد هذا البديل استخدموا بعض انواع العقود المذكوره فى كتب الفقه القديمه وقاموا بالقياس عليها و استخدامها بشكل حديث ، والفكره هنا ليست فى كون الربا حلال ام حرام ، فهو حرام بلاشك ، الفكره هل الاعمال البنكيه الحديثه تعد ربا ام لا ، فان عدت ربا فهى حرام وان لم تكن ربا فهى حلال ، وهنا ظهر الخلاف بين من يقول بالحل ومن يقول بالتحريم (اى من يحللها ومن يحرمها حسب فهمه )
احد الاشكاليات فى رأيى انه تم التعامل مع النقود شرعيا على اساس قياسها بالذهب والفضه ، وهو قياس (كان) سليما تماما وقت ما كنا نستعمل الدينار الذهبى او الدرهم الفضى ، او حتى بنكنوت له غطاء ذهبى ، هنا كانت للنقود قيمه شبه ثابته فى ذاتها ، اما اليوم فنحن نتحدث عن ورقه تمثل قيمه ما تتغير بتغير الزمن ، والعملات صار لها ( سعر ) متغير بين لحظه واخرى !!
كان هذا القياس منطقيا ومفهوما فى عصر لا يشهد مفهوما علميا لقياس التضخم او للادوات الحديثه للبنك المركزى لمواجهته مثل رفع سعر الفائده !
كافة الدول التى تنتهج الاقتصاد الاسلامى تقوم برفع سعر الفائده لديها عند ارتفاع التضخم واذا كان سعر الصرف لديها مربوطا بالدولار ، فانها ترفع سعر الفائده بمجرد ان يرفع الفيدرالى الامريكى سعر الفائده ، هذا مفهوم وحتمى ، ولا يمكن باى حال وصفه بانه (ربا او حرام ) ويتم تنفيذه فعليا على ارض الواقع ! صحيح ان هناك ادوات ماليه اخرى يمكن استعمالها ، لكنها كلها ادوات ( اضافيه وثانويه) وليست الادوات الاساسيه فى مواجهة التضخم ، والالتجاء لها سيكون اشبه بعلاج السرطان بمسكنات او مضاد حيوى !
ايضا من اهم المشكلات هنا فى الكتب التى تتحدث عن الاقتصاد الاسلامى ، هو تجاهلها الكامل لفكرة القيمه الزمنيه للنقود ، وهى فكره مثبته وعلميه ولا جدال حولها ، فكرة انك تسلف واحد وتاخد نفس المبلغ بعد سنه هو امر خيالى وغير واقعى ، كان مفهوما فى عصر الدينار الذهبى ، لكنه مستحيل الان فى عصر الدولار الورقى ذو السعر المتغير لحظيا ، كما انه مستحيل فى ظل وجود (مؤسسات ماليه ) ربحيه !!
كان مفهوما فى ظل ( الاخوه والتقوى ) على المستوى الفردى ، لكن من المستحيل تطبيق هذا الشكل فى ظل وجود مؤسسات ربحيه تقوم بتنظيم عملية تداول الاموال وتنشيط الاسواق و تمويل الانتاج والتصدير ، لا يمكن تصور بنك تجارى لا يستفيد من عملية التمويل والا اغلق ابوابه وافلس !!
لننظر كيف تعاملت البنوك (الاسلاميه) مع الامر لمواجهة تلك الفجوه بين التصور وبين الواقع
بنك فيصل الاسلامى اشهر البنوك الاسلاميه فى مصر ، ستجد فى الصور المرفقه صور من تفاصيل تقارير الموازنه الخاصه به والمعلنه فى موقعه الرسمى ، ستجد بوضوح انه يستثمر المال فى اذون الخزانه الحكوميه (نحو 10 مليار جنيه ) ، اللى هى باختصار شديد طبقا لمعايير المدافعين عن مفهوم الاقتصاد الاسلامى ، تعتبر ربا لانها تحدد سعر فائدة ثابت مسبقا للاقراض حسب مفهومهم وتعريفهم، وكل قرض جر نفعا فهو ربا ، حسب القاعدة الفقهيه !!!
انظر الى صور اخرى ، بنك ابوظبى الاسلامى مثلا ( مجرد مثال وليس مقصودا فى ذاته) ، ستجد صور من حاسبة تمويل
اذا طلبت مليون جنيه كتمويل ، او قرض ، على 24 شهر ، وستسدد كل شهر 53958 جنيه وهو ما يعنى اجمالى مليون و 249992 جنيه ، يعنى تقريبا فيه ربع مليون زيادة سيتم ( توفيقها على انها مرابحة ، بمعنى انهم هيبيعولك على الورق سلعه ما ب 1249992 وهيسلفوك المبلغ ده على الورق وتمضى انك استلفته بغرض شراء السلعه اياها بنفس المبلغ و يخلوك تبيعها ليهم على الورق برضه ب مليون جنيه فقط ، يعنى بخسارة ربع مليون جنيه تقريبا ، ثم يسلموك المليون جنيه اللى فاضله بعد بيعتك الخسرانه طبعا ، و هو المبلغ اللى انت طلبته فى الاول ، ويقولوك اتفضل ياعم التمويل اللى انت طلبته اهو مليون جنيه و كل شهر تسدد لينا 53958 جنيه ، يعنى بالاجمالى بعد سنتين هيبقى الاجمالى مليون وربع تقريبا ، اللى انت اشتريت بيهم
السلعه الوهميه وبعتها بخساره واخدت مبلغ البيع)
السلعه الوهميه وبعتها بخساره واخدت مبلغ البيع)
البنك بالحيله البسيطه دى خلى نفسه شكليا بره موضوع الفايده ، لكن الحقيقه الفايده موجوده ، لان المبلغ اللى هو حسبه زياده عن المليون ، تم حسابه بناء على عامل الفائده المستخدمه والمتوقعه فى الفتره الزمنيه دى ، وبدقه كامله ، لان البنك ده ميقدرش يزود عن الفايده اللى محددها البنك المركزى ، وميقدرش برضه يديك انت ارباح تزيد عنها حتى لو هو كسبان 100% ، البنوك عمرها ما بتعتبر المودعين فيها شركاء فى الربح على ارض الواقع ، ومبتصرفش لهم غير معدل الفائده المحدد مسبقا من قبل البنك المركزى ، وبفروق بسيطه مسموح بها بين بنك وبنك سواء كان اسلامى ام لم يكن
لاحظ برضه انك لو جيت بعد سنه مثلا وقررت انك تقدر تسدد المبلغ كاملا كاش وملوش لازمه بقى الدين وعاوز تخلص منه ، فهو ميقدرش يخفضلك المبلغ باعتبار ان خلاص هو سلفك سنه واحده بس ، لا هو مضطر ، وانت كمان ، لسداد المليون وربع كاملين ، لانه هيقولك انا مسلفك مليون وربع (على الورق) مقدرش اخد منك الفلوس اقل ، والا هيبقى باتعامل بالفايده زى البنوك العاديه ، وكلامه صح نظريا ، لكن فى النهايه كلنا عارفين ان ده غير صحيح فى الواقع ، لانك مستلفتش مليون وربع ولا حاجه انت استلفت مليون بس ، وده اللى مخلى الامر فى تصورى ( حيله مليئه بالعيوب ) !
طبعا المفروض كل ما المدة الزمنيه بتزيد كل المخاطر بتزيد وكل ما عدم اليقين بيزيد ، وعشان كده الفايده بتزيد فى الاقتصاد العادى ، اللى بيتم تسميته اقتصاد ربوى ، لكن البنك الاسلامى حسب الصوره المثاليه اللى بيتم الكلام عنها كان المفروض ان ملوش علاقه بالكلام ده ، انت تطلب مليون يديك مليون و تسدد مليون سواء بعد سنه او عشر سنين ، بس زى مقولتلك ده مستحيل ، لان فيه قيمه زمنيه للنقود بتتاثر بمخاطر التضخم وسعر الفايده فى المستقبل ، فيه تكلفة لتمويلك ، لازم هتدفعها ايا يكن مسماها
البنك عارف وفاهم كويس ان فيه قيمه زمنيه للنقود ، عشان كده لو طلبت نفس المليون من نفس البنك فى نفس الوقت بس هتسدد على 4 سنين ، يعنى 48 شهر هتلاقيه يقولك يبقى هتسدد يا باشا كل شهر 33125 جنيه ، يعنى باجمالى مليون و 590 الف ، يعنى مكسب البنك او الفايده هنا زادت كتير ، زادت اكتر من الضعف ، وهتزيد كل ما المده تزيد (اكتر حتى من فكرة انك تقسم المبلغ على عدد السنين فى المثال الاول ثم تضربه فى عدد السنين الجديده اللى انت عاوز تستلف وتسدد على اساسها ، لا هيبقى فيه مبلغ اضافى للتعويض عن ان المده صارت اطول والمخاطره بقت اعلى ان قيمة النقود تنخفض والمثال التانى ده هتلاقيه برضه فى صوره فى الصور المرفقه ، لان لو المساله زيادة ثابته حسب كل سنه كان هيبقى المبلغ الزائد اقل من نص
مليون جنيه ، لكنه هنا اكتر من نص مليون ، واخد بالك ؟!!
طبعا تقدر تدخل بنفسك فى المواقع الخاصه بيهم وتتاكد من كلامى ، لكن البنوك حولت فكرة المرابحه ، لشكل تانى من اشكال استخدام سعر الفايده نظرا لاستحالة تطبيق الكلام الموجود فى الكتب بهذه الصوره المثاليه ، لانها تجاهلت العامل اللى شرحناه وهو القيمه الزمنيه للنقود واللى بتنطوى جواها على عوامل التضخم و سعر الفايده و تكلفة التمويل
تخيل لو طبقنا الكلام المذكور فى الكتب ماذا سيحدث ؟
تستلف مليون وترجعهم مليون بعد سنه !!!!!
اللى سلفك خسر كثير دون ذنب، تخيل واحد سلف الثانى قبل التعويم مثلا مليون جنيه ، ورجعهم بعد سنه برضه مليون جنيه ، هيكون خسر ايه ؟!
خسر اكتر من 20% وربما اكثر بسبب التضخم ، فما ذنبه وهو يريد مساعدتك ؟!! لماذا تريد الاضرار به ؟!!
يعنى كانك رديتهم له 800 الف فقط او اقل !!
هذا مثال رأيناه باعيننا وعشناه جميعا لحسن الحظ حتى تفهم الاشكاليه فى تجاهل عوامل مثل التضخم و القيمه الزمنيه للنقود ، وما ينبنى عليها من سعر الفايده الحتميه للحفاظ على مال صاحب المال وعدم الاضرار به .والا كل الناس هترفض تسلف بعض وهيقع ضرر كبير وتنتفى الحكمه الدينيه فى التيسير على الناس لانهم صاروا ينفرون من الاقراض لانه صار مرادفا للخساره الحتميه ، الناس فهمت ده وبقت تقول فى المثل " السلف تلف والرد خسارة "
حتى ما يسمى بالصكوك الاسلاميه يتم احتساب العائد عليها بناء على عوامل كثيره ، وتلك العوامل لا تتعدى عادة التصنيف الائتمانى و التضخم وسعر الفايده الذى اقره البنك المركزى المختص بالعمله المصدر بها الصك و العائد على الادوات المنافسه فى الدين (يعنى السندات والصكوك المشابهه) ،وبالتالى برضه بنرجع لسعر الفايده وعوامل تحديده واللى يفترض ان كان هيتم
منعها بناء على التحريم!
من الامثله اللى فوق نقدر نفهم ان ما تم تسميته "بالاقتصاد الاسلامى" لم يستطع ان يخرج من دائرة ما فرضه منظروه على انفسهم من خلال فهمهم للنصوص الدينيه ، فقط تم تغيير بعض المسميات ، لكن الطريقه نفسها وادواتها بقت تقريبا كما هى فى جوهرها ، نفس جوهر التمويل المعتمد على الفائدة التى يحددها المركزى ، نفس الارتباط بالقيمة الزمنيه للنقود ، نفس جوهر الاستثمارات فى ادوات الدين ذات العائد الثابت (سندات واذون خزانة حكوميه مثلا) ، وعندما تم استحداث شكل جديد من ادوات الدين ( الصكوك) فانه لا يبتعد فى طريقة احتساب العائد عليه عن نفس النظام العالمى المتبع ، فقط اختلاف فى الشكليات وليس فى جوهر سبب ظهور هذا النوع من الاقتصاد ، وهو البعد عن سعر الفائدة او الاقراض بالفائدة
اذن لماذا لم يختف من التطبيق ؟
السبب ببساطه انه لا يوجد متضرر ، بل يوجد مستفيدين كثر
فمن جهة ، البنوك لا تمانع من العمل به ، لانه فى جوهرالنظام المطبق حاليا لا خلاف بينه وبين ما هو معمول به فعلا بل انه يعطى امتيازات للبنك اكثر ، ويفتح له شريحه اوسع من العملاء ، يعنى ممكن نقول ان البنوك اعتبرته (مزيج تسويقى جديد) لا يكلفها كثيرا ، لكنها ستربح من وراءه الكثير ،
ومن جهة اخرى فان تيارات الاسلام السياسى تدعمه شعبيا بكل قوة لانه كان وسيله سهله للدعايه لفكرة امكانية (اسلمة ) كل الانشطة المستحدثه ، وهى الفكرة التى يقوم عليها النشاط التعبوى لتلك التيارات بين الافراد ، وربما تحتاج ان نفرد لها موضوعا منفردا ، وستجد ان كافة الاقتصاديين والبنكيين الاخوان مثلا يدعمون تلك البنوك بقوه وشاركوا فيها منذ نشأتها و ساهموا فى الترويج لها لان فكرتها تخدم مشروعهم ، بدعايه مجانيه كما انها تفيدهم اقتصاديا اذا تمكنوا من التغلغل فيها للسيطره على شريحه من القطاع المصرفى فى الدول المستهدفه ، لاحظ ان هناك صوره مرفقه ، ستجدها تتحدث عن ان الاقتصاد الاسلامى طريقك "للحقيقه والسعادة " ؟!!! زى مبقولك مزيج تسويقى كامل لو انت فاهم يعنى ايه مزيج تسويقى طبعا !!
من جهة ثالثه فان العميل نفسه ، الذى وجد فى ذلك المزيج التسويقى تلبيه لحاجة تمت استثارتها فى نفسها من خلال دعاة تيارات الاسلام السياسى بالاساس ، ولم يجد من يلبها له ، الا بتلك المؤسسات الجديده ، وحتى رغم ما شرحناه فانه سيفكر الف مره قبل ان يتركها ، وسيقنع نفسه بانه هكذا (اقرب للتقوى)
ربما لهذه الاسباب وغيرها الناتجه من فهمهم الاعمق للنصوص الدينيه ولطبيعة العمليات البنكيه المستحدثه ستجد ان دار الافتاء المصريه قامت باعلان فتوى صريحه من سنوات طوال وهى ان فوايد البنوك حلال وان عمليات التمويل اللى بتقوم بيها البنوك غير عمليات الاقراض المذكوره فى كتب الفقه و غير مسالة الربا التى حرمها الاسلام وكافة الاديان ، وطبعا تعرضت لهجوم لا نهاية له من طابور المستفيدين او حتى المؤمنين بتلك التجربه
لاحظ انى هنا لا اناقش الموضوع من الناحيه الدينيه، انا لا احلل الفوائد ولا احرمها ولا اناقش ادلة كل فريق ، لان الامر فيه خلاف واسع على عكس ما يروج له البعض ، كما انه لا شأن لى بهذا وليس من مسئوليتى ولست املك ادوات الفتوى ، بل عرضت لك باختصار شديد ملخص الفكره من الناحيه “”الاقتصاديه”” (وما اتصوره) انه ( مشكله) فى التطبيق ناتج عن مشكله فى الفهم ( للاقتصاد الحديث) او تجاهل لنقاط لا يمكن تجاهلها ، اما فهم النصوص والادلة ، فقد كانت دار الافتاء كفيله بهذا وبامكانك ان تقرأ ما قالوه من الناحيه الشرعيه اذا رغبت.
Comments
Post a Comment