يعيش المواطن (ايا يكن اسمه) فى اغلب بلاد العالم شاكيا من موجات
الغلاء التى تضرب قدراته الشرائيه بعنف متصاعد ، راتبه يتبخر بشكل سريع يفوق
قدراته على التعويض، ويغمض عينه ويترك لذاكرته العنان ، ليسترجع اسعار السلع فى
طفولته وشبابه ، يتحسر كيف كان كيلو اللحم بعشر قيمته الحاليه وربما اقل، ثم يتنهد
فى يأس ويقول
"متى تنخفض الاسعار؟!!"
اسمع جنى الامنيات يصرخ فى مصباحه ويقول "احذر مما تتمنى ايها
الساذج!!"
غالبا لا يعلم مواطننا المجهول الاسم (فلنسمه سين) انه ومنذ ظهور
النقد بصوره المتدرجه حتى عصر البنكنوت ان التضخم امر شبه حتمى فى حياته، الاسعار
ترتفع جيلا بعد جيل، نسى ان اباه طالما اشتكى من الاسعار وتحسر على
اسعار"زمان"، نسى ان جدته شبه الكفيفه طالما حكت له عن "خير زمان"
عندما كانت تستطيع ان تؤجر شقة بثمن شطيرة فى عصرنا، نسى انه كان يسخر من كل هذا
ويعتبرها خرافات العجائز، والان حان دوره
التضخم ذلك الوحش المقيت، يكرهه (سين) كراهة الموت ويتمنى لو كان رجلا
ليقتله ويخلص الناس من شره!!
لم يحظ فى علم الاقتصاد مصطلح ما بما حصل عليه التضخم من سوء السمعه!
يمكننا ان نعرف التضخم ببساطه
على انه زيادة اسعار السلع والخدمات، وكلها امور يكرهها الجميع، ويتبعها عادة
انخفاض القوة الشرائيه، انخفاض قيمة العملة نفسها
لكن هناك مستفيدون من التضخم لا يدركهم (سين)
1-
المستثمرون:تخيل
انك مستثمر وامامك مجالين، احدهما اسعاره ترتفع ، والاخر اسعاره تنخفض ، ايهما
ستختار لتستثمر فيه؟
طبعا ستختار الاول، لانك ستحقق ارباح بشكل اسهل واكبر، بينما الاخر سيتسبب لك فى خسائر، فانت تشترى سلعه ينقص ثمنها
من سيرغب فى هذا؟!!
نفس الكلام عن الدول، امامك دوله ترتفع اسعار السلعه التى تبيعها فيها واخرى تنخفض فيها اسعار تلك السلعه، فأيهما ستختار لتستثمر فيها؟! اذن فبعض التضخم سيفيد فى جذب الاستثمارات بلاشك!
طبعا ستختار الاول، لانك ستحقق ارباح بشكل اسهل واكبر، بينما الاخر سيتسبب لك فى خسائر، فانت تشترى سلعه ينقص ثمنها
من سيرغب فى هذا؟!!
نفس الكلام عن الدول، امامك دوله ترتفع اسعار السلعه التى تبيعها فيها واخرى تنخفض فيها اسعار تلك السلعه، فأيهما ستختار لتستثمر فيها؟! اذن فبعض التضخم سيفيد فى جذب الاستثمارات بلاشك!
2-
المقترضون:تخيل
انك اقترضت مليون جنيه اليوم واصبحت قيمتها بسبب التضخم بعد عام 900 الف، وانت
ستسدد الان مليون جنيه لكن قيمتها اقل،وقد استفدت منها وهى بقيمه اعلى وقت
الاقتراض، بل ان التضخم لو زاد عن المتوقع فغالبا ستكون انت الرابح على عكس البنك
الذى حدد سعر فائدة على اساس توقعات تضخم اقل!!
3-
الحكومه:باعتبار
الحكومات عموما هى اكبر المقترضين تستطيع ان تفهم ببساطه لماذا تسعى "بعض"
الحكومات (مثل الولايات المتحدة) لزيادة التضخم احيانا حتى تسدد ديونها بدولارات
ذات قيمة اقل من تلك التى اقترضتها
4-
سين
نفسه:حيث انه سيطالب مديره بعلاوه لمرتبه لم يكن من الممكن ان يوافق عليها لولا ان
الشركة حققت ارباحا اكبر بفضل التضخم، بل انه لولا التضخم لربما فصلته الشركة
لتخفيض النفقات وزيادة الارباح!!
لكن لا احد سيشكر التضخم على تلك الخدمات، الكل سينظر له باعتباره
الشيطان الذى يتغذى على اموال الناس بالباطل
صحيح ان التضخم له فوائد ينكرها (سين)، لكنه مثل النار المطلوبه لطهى
الطعام، ضروريه نعم، لكن الكثير منها سيحرق الطعام وربما المنزل نفسه!ولا احد
سيذكر دورها الجوهرى فى الطهى، الكل سيذكر الطاهى وجودة اللحم وامانة الجزار، لكن
لن يتذكروا نار الموقد فى شكرهم ابدا
الان جنى الامنيات قرر الاستجابة (لسين) قرر ان يجعل الاسعار تنخفض،
بان ارسله عبر الزمن الى فتره حيث انخفضت الاسعار، ليعيش امنيته
ارسله الى عام 1930م فى ولاية نيويورك بامريكا
عاش سين مبهورا فى البداية، سعر الجبن اليوم بنصف دولار ومن اسبوع كان
بدولار كامل، شاهد منزلا واعجبه كان بسعر لايصدق، وعلم انه من شهرين كان يباع بضعف
هذا السعر، لكنه قرر الانتظار لعله ينخفض اكثر، المدهش حقا ان السعر انخفض اكثر!!
انه النعيم المقيم!! (سين) فى الفردوس بلا شك!!
لكن بدأت المشاكل تظهر
شركته تبيع معاصرالذره للمصانع من اجل الزيت، لكن المصانع نفسها اغلقت
وتباع فى المزاد لان الزيت سعره انخفض، ولم تعد قادرة على سداد ديونها حتى لو باعت
كل مخزونها، ولايوجد مشترى!!
لا احد يريد ان يشترى معصرة الذره اليوم منه.....!!
شركته
تقرر ان تخفض العماله، فتفصله، لانها غير قادرة على سداد راتبه
الراتب الذى طالما اشتكى انه لا يكفيه مع التضخم، لم يعد موجودا من
الاساس اليوم عندما بدأت الاسعار فى الانخفاض
رأى اسعارا لم يتصورها فى حياته!
منازل تباع بعشر اثمانها، لكن
لااحد يملك ما يكفى من المال بسبب البطاله مثل (سين)، ومن يملك المال يخشى انفاقه
اليوم انتظارا لمزيد من انخفاض السعر حتى لا يخسر استثماره.
(سين) غير قادر على شراء طعامه ولا دفع ايجار منزله!!!
صار يقف طابورا طويلا لتلقى
الاعانات كالمتسولين، ورأى فى الطابور جيرانه ومديره السابق ايضا!!
الفردوس انقلب جحيما!!
الدولة تتدخل وتنفق فى مشروعات بسيطه وبعضها يبدوا ساذجا، لكن الغرض
هو تشغيل الناس واعطاءهم اجورا
الناس تتلقى الاجور التافهه ممتنه وتشترى الطعام
تبدأ البقالات فى طلب الطعام من المزارع والمصانع والتى بدورها تبدأ
فى تصريف مخزونها
تبدأ المزارع فى الانتاج، لكن الطلب اكبر من انتاجها الان ، فتزيد
الاسعار تدريجيا
تبدأ فى تعويض خسائرها وتحقيق
ارباح
المصانع والمزارع تطلب مزيد من العمال لتلبية الطلبات المتزايدة، من
اجل تحقيق مزيد من الربح واغتنام الفرصه والسوق الجديده
(سين) يجد عملا ويتلقى اجرا افضل الان.
اشترى ملابس جديده انتجها مصنع اعيد تشغيله من جديد عندما ارتفعت
اسعار الملابس.
يذهب لشراء المنزل لكن
الاسعار صارت بعيدا عنه الان.
يزفر فى يأس
"متى تنخفض الاسعار؟!!"
Comments
Post a Comment