هذه السلسلة من المقالات تستهدف بالاساس الكلام عن تجارب التطور والتنميه والتقدم لدى عدد من دول العالم ، نحاول ان نبعد عن الاهواء (قدر المستطاع ) و نتكلم عن الخطوات التى قامت بها ، ونقارنها بنا لنفهم ونتعلم جميعا من تلك الدروس
سنحاول ايضا ان نكشف كثير من المعتقدات الوهميه التى تم ترويجها عمدا او بجهل ، واعتبرها عائقا امام الفهم السليم و التشخيص الدقيق ، وبالتالى العلاج
اعتبرها التطور الطبيعى لسلسلة الازمات الماليه والاقتصاديه ، التى كنت اهدف من خلالها ان تعيش معى حقيقة اقتصاديه بسيطه ، وهو ان فكرة لا يحدث الا فى مصر ، هى مجرد وهم نحب ونستعذب ان نعيشه ، وان طبيعة الاقتصاد ان يعانى فى فترات متقاربه من ازمات تمس حياة الناس بشكل مباشر ، و بصوره مؤلمه جدا
نتكلم اليوم عن اليابان ، الدوله التى تحظى بكم هائل من الاعجاب المصرى ( المستحق ) ، المخلوط بقدر لا بأس به من الاكاذيب والاوهام !
طبعا سأقوم بالتجزئه للتسهيل فى القراءة
خلفيه تاريخيه و جغرافيه سريعه وهامه
اليابان مجموعه من الجزر فى المحيط الهادى اقصى الشرق ، وتمتد من الشمال حيث تلامس المناطق القطبيه الشماليه ، الى الجنوب حيث تلامس المناطق المدارية الحاره ، مساحتها ثلث مساحة مصر تقريبا ، وعدد سكانها حاليا 127 مليون نسمه تقريبا ، وهم رقم لا يكاد يتغير منذ عقود نظرا لانخفاض معدل النمو السكانى . ونظرا لموقعها البعيد ، فهى معزوله جغرافيا .
تعانى من تشكيله شنيعه من الكوارث الطبيعيه ( زلازل عنيفه ، براكين ، تسونامى ، اعاصير مدمره ) ، وتاريخيا كان ضحايا تلك الكوارث يقدرون سنويا بالالاف او عشرات الالاف احيانا ، ما ادى الى وسم اليابانى بصفات مثل تقبل الموت بسهوله ، الايمان بقصر عمره ، ولهذا لا يمانع الانتحار بسهوله ( اعتبرها وقوع البلا ولا انتظاره ) ، بالتالى تقبله لفكرة انه غير قادر على انهاء كل شىء يريده فى حياته ، و لا يجد غضاضه فى البناء على اساس غيره ، ولا يبدع فى الابتكار ( عكس معتقداتنا ) بقدر ابداعه فى النقل والتقليد والتطوير فيهما لانه يؤمن انه لا يملك الوقت الكافى ، وهذا ايضا دفعه لتنظيم اعماله بشكل دقيق ليتمكن من انهاء اقصى قدر ممكن فى حياته القصيره ، اغلب المنتجات اليابانيه هى منتجات تقليد لاختراعات غربيه ، وتنويع وتطوير لها ، وتقريبا من الصعب ان تتذكر اختراعا يابانيا ما ، عادة هى صناعه جيده لاختراع غربى الاصل ،وهو ما قررت الصين ان تتبعه كوسيله للتقدم التكنولوجى
وللتوضيح ، فانى لا اعيب هذا على اليابان واعتبره ذكاء واسلوب عملى وواقعى لتحقيق الاهداف ، لكن من الضرورى توضيحه لانه فى رأيى احد نقاط الاوهام المصريه الكثيره حول اليابانيين
وقد تتعجب اذ عرفت ان اليابان لم تبتكر كتابه للغتها ، بل (( نقلت )) نظام "" الكانجى "" من الكتابه الصينيه واستعملته بشكل صوتى مختلف فقط ليناسب اللغه اليابانيه وريحوا نفسهم من عناء ابتكار كتابه ، فقط بعد الحرب العالميه الثانيه ومع الاحتلال الامريكى المحدود لليابان ، اضطروا لاختصار نظام الكانجى من نحو 40 الف رمز ، الى الفين فقط ، و تطور بقوه نظام اخر الكاتاكانا لنقل الكلمات الانجليزيه لليابانيه ) هتلاقيه بيتكتب بيه اسماء الانيميشن و العاب الفيديو وله شكل مميز عن الكتابه الصينيه )
ديانة اليابان مزيج من الشنتو والبوذيه ، وكلاهما ليس ديانه بالمعنى المفهوم لدينا ، بقدر ما هو تقاليد متوارثه ونظام حياه ، الشنتو يقدس الامبراطور بالمعنى الحرفى للتقديس ، ويصل للعباده ، حيث يؤمن اليابانى ان بلده نتيجة تزاوج الهة السماء والارض ، وان الهة الشمس انجبت بشكل ما سلالة الاباطره الحاكمين ( يعنى فيه تشابه بين الاعتقادات دى وكثير من الحضارات القديمه فى مصر والعراق ) ولهذا فالعلم اليابانى يحوى قرص الشمس ، و فكرة الثوره على الامبراطور شبه مستحيله وغير وارده ، لانها ( اشبه ) بالثوره على الاله فى مفاهيم الديانات السماويه ، يعنى كلام مستبعد !
الكلام اللى فوق فايدته انك تفهم ملخص تاريخ اليابان برضه
اليابان حكمها الاباطره منذ فجر تاريخها المعروف ، و هناك فتره كان الامبراطور رمز بلا سلطه حقيقيه ، بينما السلطه كانت فى يد العسكريين بالمفهوم اليابانى ، اسمها فترة الشوجن والتى امتدت لنحو 7 قرون وكان مساعدوه المشهورون باسم الساموراى ، ثم تنازل الشوجن عن سلطاته للامبراطور من اجل المصلحه العامه فى 1868 تقريبا وبدأ عصر اسمه عصر الميجى ( عصر الحكم المستنير ) اللى قرر الامبراطور فيه وبشكل نهائى نقل كافة النظم الغربيه لليابان وتحديثها ، ومخرجش مواطن يابانى يقول ، ان الغرب كافر ، ولا ان التعليم الغربى مؤامره على اليابان ، ولا ان الديمقراطيه الغربيه كفر ،
اليابان من الدول القليله فى العالم التى لم تتعرض ابدا للاحتلال الاجنبى (عكس مصر بالضبط) ، وليس الامر نتيجة براعة الجيش اليابانى فى الاساس ، بل ان جزء من الامر سببه موقعها المنعزل من جهه (عكس مصر التى جعلها موقعها مطمعا دائما)، قلة الموارد الطبيعيه فيها من جهه ، والكوارث الطبيعيه الكثيره من جهه اخرى ، حتى ان حملة المغول على اليابان فشلت بسبب اعصار قوى دمر اغلب الاسطول المغولى وانسحبوا ، قام اليابانيين بتسمية تلك الرياح ( الكاميكازى ) والتى اعتبروها معونه من الالهه ( جنود الالهه يعنى ) لتدمير اعداء اليابان ، و اقتبسها الطيارون اليابانيون استلهاما فى الحرب العالميه الثانيه اثناء عملياتهم الانتحاريه الشهيره !!
يؤمن اليابانى بثلاثه اشياء مهمه ، ان الامبراطور مقدس ومن نسل الشمس ، وان اليابان هى افضل البلاد فى العالم وشعبها هوالشعب الذى ترعاه الالهه والمفضل عندها ( شعب الله المختار يعنى ) ، وان رسالة اليابان هى ان تضم الارض كلها تحت سلطة ابن الشمس ( الامبراطور اليابانى طبعا ) ولاحظ موضوع سلالة الشمس دى لانها مساله غريبه شويه فى تاريخ الحضارات ذات الاصول القديمه انما ده موضوع تانى !
الافكار اللى فوق ، لا تختلف كثيرا فى جوهرها عن الافكار النازيه التى تعتمد تفوق العنصر الارى ، ولا تختلف كثيرا عن افكار اصحاب الديانات المختلفه التى يرى كل فريق انه ( شعب الله المختار ، ابناء الله ، خير امه ) ، وعادة ما يتم لى الفكره ليتم استعمالها سياسيا لاغراض التوسع العسكرى وبسط النفوذ !
بدأ التطور اليابانى فى اواخر فترة الشوجن اضطرارا رغم العزله الاجباريه التى ادخلت اليابان نفسها فيها ، بسبب ان الدول الغربيه كانت تجبرها على استقبال سفنها ( هولندا اولا ثم امريكا و بريطانيا وفرنسا بشكل محدود ) ، وكان النفوذ الهولندى هو الاقدم حتى ان اول لغة اجنبيه يتعلمها اليابانيون ( غير اللغه الصينيه طبعا ) هى اللغه الهولنديه ، ثم ببعض البعثات المحدوده ، والتى تم التوسع فيها بقوه فى عصر الميجى الذى قلنا انه بدأ فى 1868 ( تقريبا كان عصر الخديو اسماعيل فى مصر وكان حفر قناة السويس اوشك على الانتهاء ) ، ستجد بعض الاخوه على الفيسبوك يشيرون صوره لبعثة ساموراى التعليميه الى مصر فى تلك الفترات ، ويبدأ الكلام فى اسطوانة ايام زمان ، والناس بتتعلم مننا واننا معدناش بنهتم بالتعليم ...الخ، وهو كله كلام لا يمت للواقع بصله ، لان الساموراى فى ذلك الوقت ارسلوا بعثات الى مصر والصين تحديدا ، لتعلم شىء مهم جدا ، وهو سبب ( انهيار تلك الحضارات ) ، كجزء من محاولتهم للخروج من العزله وفهم ما هو الطريق الذى ينبغى ان يسلكوه ، واختاروا طبعا التحديث الغربى ، ووصلوا لقناعه ان تلك الحضارات انهارت وسقطت بسبب البعد عن التحديث ( مصر كانت ولايه عثمانيه تقع تحت عزله اجباريه من العثمانيين لنشر الجهل عمدا وكان فقهاء العثمانيين يحرمون الطباعه والتعليم الغربى فى الولايات)
شكرا 🌹
ReplyDelete