نظرا للضعف الشديد ذلك الوقت فى العسكريه اليابانيه ، ونظرا لضعف الانتاج ، وكما قلنا هناك ايمان عميق لدى اليابانى بضروره ان تصبح الامم تحت مظلة الامبراطور سليل الالهه ، لهذا قرر الامبراطور ميجى ، عمل اكبر عملية اصلاح اقتصادى و ثقافى فى تاريخ اليابان استغرقت نحو نصف قرن ، اعتمدت على ارسال وفود وبعثات للتعلم فى الخارج ( لم يكن يتم اختيار عامة الناس ، بل كان يتم اختيار الساموراى المقاتلين اليابانيين الاشداء، وطبعا انت عارف الساموراى فى عصرنا اصبحوا مرادف لمين ؟ اللى هم العسكريين يعنى لو لسه مش فاهم) كما تم جلب الخبراء من الخارج (الاف الخبراء ) فى كافة التخصصات لوضع اسس بناء اليابان الحديثه ومن عدة جنسيات غربيه
كلف الخبراء اليابان مبالغ كبيره طبعا ( لكن مفيش مواطن يابانى قال ايه لازمة المستشارين والخبراء ؟ولا قال دول مبيعملوش حاجه ولا بيفهموش فى حاجه وانا اقدر بصابع رجلى الصغير احل مشاكل البلد دى ، والبلد اللى جنبنا كمان وبنص المرتب ، الى اخر كلام عيال مصاطب الفيسبوك ) واستغرقوا سنين طويله فى اليابان لنقل الخبرات و تاسيس الدستور ، والاحزاب ، وعمل السكه الحديد والبرق ، و النظام المالى ، والقانون ، والتعليم والجيش والتصنيع
استغرقت اليابان لانشاء نظام تعليمى مستقر و جيد نحو 45 عاما !! يعنى تقريبا نصف قرن لان ظلت فى تجارب بعضها يصيب و بعضها يواجه صعوبات ومشاكل لعقود ، الى ان استقر الامر تقريبا فى العقد الثانى من القرن العشرين ( ده عشان الناس اللى بتسال هو انا ليه ابنى مبقاش عبقرى بعد ماراح اسبوع المدرسه ، وفين النظام الجديد وتطوير التعليم ) !!
استغرقت اليابان عقودا ايضا لانشاء شبكة السكه الحديد والطرق (مفيش مواطن يابانى قال هنستفيد ايه من كل السكك الحديديه دى والمهم الاكل والعلف !) ، منها عقد كامل تحت اشراف الاجانب !! وده يفكرك برضه باللى بتعمله مصر الان من انشاء شبكة مواصلات كبيره لربط مصر كلها ولتخدم التنميه ، رغم ان اليابان كمساحه ثلث مساحة مصر كما قلنا ، اغلب طرقها والسكك الحديديه فيها طوليه حسب جغرافيه البلد ، عكس مصر اللى طولها مماثل لعرضها تقريبا وتحتاج شبكات طوليه وعرضيه )
استغرقت خطة التصنيع هذه ايضا نحو ( نصف قرن )، لتتمكن اخيرا من التحول لدوله صناعيه ، وخلال تلك المده الطويله ( تقريبا جيلين ) اهتمت الدوله جدا بالصناعات الثقيله ( لتكون نواه للصناعات العسكريه ) و الصناعات النسيجيه ، لتوفير فرص عمل ( امر يشبه ما قامت به مصر فعلا فى الستينات ، وما تحاول ان تقوم به الان من توفير فرص عمل سريعه من خلال البناء والتعمير ، الى ان يتم بدء عملية التصنيع التى تستغرق وقت طويل عادة ) ، وظلت اليابان غير قادره على تصدير منتجات صناعيه لعدة عقود بسبب ارتفاع عدد السكان الذى كان يلتهم اغلب الانتاج ( كما يحدث فى مصر ) ، لكن فى العقد الثانى من القرن العشرين نجحت فى التقدم فى التصدير اخيرا و تغيير بنيه هذا التصدير الى منتجات صناعيه بدلا من مواد خام ( حرير و نحاس ) ، واستغلت الحرب العالميه الاولى فى التقدم نحو اسواق جديده وتطوير اسطولها البحرى ( امر حتمى لانها جزر ) ووجهت انتاجها الى الاسواق الاسيويه بقوه ، والتى كانت متخلفه جدا انذاك
ايضا اعتادت الحكومه اليابانيه بيع حق تقديم الخدمات للشركات الخاصه ( خصخصه يعنى ) ولم يتهمها احد بالفساد ، رغم ان التجار اليابانيين القدامى هم من احتكر المواقع الجديده لانهم من يملك الاموال ، يعنى تقدر تعتبره احتكار لرأس المال فى ايدى اقله من رجال الاعمال ( ده امر طبيعى فى العالم الرأسمالى )
وصل الامر باليابان ان كانت تبنى مصانع او مناجم ، وتبيعها بنصف سعرها ( او اقل احيانا ) للقطاع الخاص فى تلك الفتره ( اى اواخر القرن التاسع عشر )، وتم تسمية هذا ( تشجيع القطاع الخاص وبث الروح فيه ) ولم يتم تسميتها ( فساد واهدار المال العام ) كما نحب ان نفعل !
هل تحسنت احوال الشعب اليابانى كثيرا بسبب هذا ؟
تحسنت نعم ، كثيرا ؟ لا
لان حتى منتصف القرن العشرين كان من الشائع ان تبيع الاسره الفقيره احد او بعض بناتها لبيوت خاصه ليصبحن فتيات جيشا ، وهو بالبلدى ما يمكن ان نسميه ( الدعاره ) ، وما يتم تسميته هناك باسم ( فتيات الترفيه ) ، ولم تنقرض تلك العادات (الدعاره المنظمه وصناعة "الترفيه" ) حتى العصر الحالى ، حيث ان ديانة الشنتو لا تحرم هذا ، فقط تطور الامر لحرية اختيار ، بعد ما كان اجبارا حتى وقت الحرب العالميه الثانيه ، ولا تزال اخبار العلاقات بين الجنود الامريكان و فتيات اليابان العاملات فى هذا المجال ومشاكل هذه العلاقات موجوده الى اليوم ، حيث تحدث حوادث و جرائم قتل نتيجة للخلافات المعتاده فى تلك المهن ، ومفهومنا عن ان اليابانى شعب مؤدب لا ينبغى ان يشمل هذه النقطه من العلاقات بكل تأكيد لان المتعه الجسديه جزء من التراث اليابانى الخاص ( مثل الهند )
اهتمام الدوله اليابانيه بنشر التعليم صاحبه اهتمام من الشعب ايضا ، والتعليم كان الزاميا للمرحله الابتدائيه فقط ، لتخريج عمال قادرين على فهم الصناعه الحديثه والتجاوب معها ، واهتمت الدوله بنشر صناعة الحديد والصلب لاسباب التسليح التى ذكرناها ومن اجل صناعة السفن ايضا ، فتضاعف انتاج اليابان من الحديد اضعافا مضاعفه ، وكانت تستورد الخامات ( فحم وحديد ) ثم تعيد تصديرها مره اخرى وتستفيد من القيمه المضافه
النموذج اليابانى فى القطاع الخاص والشركات ، يختلف كثيرا عن النموذج الغربى ، فبينما يتجه النموذج الغربى للتخصص ، فان الشركات اليابانيه العملاقه والتى امتلكها واسسها فى البدايه البرجوازيه اليابانيه التقليديه ( يعنى رجال الاعمال والتجار الاغنياء من العصر السابق ، عصر الشوجان ) تتسم بعدم التخصص ، شركات قابضه عملاقه تمتلك شركات كثيره وكل واحده تعمل فى مجال مختلف ، صناعة سفن ، تكرير بترول ، استيراد و تصدير ، خطوط شحن ، صناعة سيارات ، منتجات زراعيه ، تجارة تجزئه ، وهكذا ، حتى ان الامر يوصف بانه عمل شىء فى كل شىء بدون اتقان ، بدلا من اتقان شىء واحد ، والحقيقه ان فكرة معايير الجوده والاتقان لم تكن سمه فى الصناعه اليابانيه الا مؤخرا ( بعد بدايتهم بنحو قرن تقريبا ) حيث اجتذبوا خبراء الجوده الامريكيين ، من اجل تحسين جودة منتجاتهم و امكانية بيعها فى امريكا واوروبا ، شركات مثل ميتسوبيشى وتويوتا ، لا تعمل فى الاصل فى انتاج السيارات ، وانما تمثل السيارات جزءا من شركاتهم الديناصوريه المهوله والتى تراكمت ثرواتها عبر عقود طويله من احتكار التجاره والصناعه فى نصف الكره الشرقى وفى اسواق تتسم بالوفره البشريه الهائله
سنعود قليلا للوراء لنفهم الموقف السياسى والعسكرى
فى نهاية القرن التاسع عشر 1894 تقريبا ( مصر وقتها كانت محتله من بريطانيا ) وكانت اليابان ترغب فى المزيد من المواد الخام لمصانعها ، مزيد من الفحم ، ومزيد من الحديد ، تريد اسواقا لمنتجاتها المستقبليه ، وطبعا افضل مكان لكل هذا كان الصين ، لكن الطريق الى الصين يبدأ من كوريا اولا
كانت كوريا تابعه للصين فى ذلك الوقت ، وحدثت بعض الاضطرابات الداخليه والمظاهرات التى تطالب بانفصال كوريا ، فارسلت الصين عسكريين لاخماد الثوره واستغلت اليابان الموقف وتدخلت عسكريا ونشبت الحرب بين الامبراطوريتين وانتهت بانتصار اليابان واصبح لليابان تواجد عسكرى فى كوريا ، بل وطمعت وضمت اليها تايوان الحاليه ( كان اسمها فيرموزا وقتها ) لكن القوى الاستعماريه كانت بدأت تشعر بالقلق من التوسع اليابانى واجبرتها على الانسحاب من فرموزا وقتها ، ورغم هذا فكان الانتصار اليابانى كخطوه اولى امرا مثيرا للاعجاب و مبرهنا على ان عملية تحديث اليابان فى عصر الميجى والتى كانت بدأت من ربع قرن بدأت تؤتى اكلها عسكريا
فى بداية القرن العشرين 1904 قررت اليابان ان الخطوه الثانيه حان وقتها ، كانت الامبراطوريه الروسيه ترغب فى ضم منشوريا ( شمال شرق الصين ) وكامل كوريا ، من اجل التوسع ليكون لها موانىء فى المياه الدافئه شرقا كموانئها فى البحر الاسود غربا ، كانت روسيا الامبراطوريه انذاك قوه افله ، ولديها قلاقل ومشاكل داخليه اسفرت فما بعد عن ثورة البلاشفه التى اطاحت بحكم اسرة رومانوف ( الجرمانيه التى تحدثنا عنها سابقا ) ، بينما اليابان كانت فى اواخر عصر الميجى ، قوة بارزه ، تصنيع حديث ، تسليح اقوى ، شعب متعطش للتوسع و لا يخشى القتال او الموت ، وحدث الصدام المتوقع ، الحرب الروسيه اليابانيه والتى انتهت بانتصار اليابان امام الروس المشتتين فى حروبهم عبر حدودهم الطويله و ضعف قادتهم ، واستولت اليابان على منشوريا وجزء كبير من كوريا كجزء من اتفاق السلام بوساطه امريكيه وفى نفس العام 1905 بدأت الثوره فى روسيا !
ادى الضعف الروسى بعد ذلك لاتمام احتلال اليابان لكوريا وضمها رسميا لامبراطوريتها وقاموا بما تقوم به الدول الغربيه الاستعماريه ، من حيث استغلال موارد البلاد و انشاء سكك حديديه فيها لنقل المواد الخام للموانى وتصديرها لصالح اليابان طبعا ، وظل الاحتلال اليابانى لكوريا امرا واقعا لسنوات ، بل ان اليابانيين حاربوا الثقافه الكوريه و اللغه الكوريه ، و حرموها وعاقبوا من يدرسها ، بل وعلنوا ان الديانه الوحيده المسموح بها هى ديانة الشنتو اجباريا ! واغلقوا الصحف تماما ، واجبروا الكوريين على تغيير اسماءهم الى اسماء يابانيه ، بمعنى محو كامل لاى اثر لثقافة كوريا وديانتها ولغتها ، ودمر الجيش اليابانى اثارا كوريه ثمينه ، وسرقوا عشرات الالاف من الاثار القابله للنقل ، وارسلوها الى اليابان ، باختصار مارس اليابانيون اسوأ ما قام به الاستعمار الغربى و باقسى صوره ممكنه ، ممكن تقول انهم كالعادة ( نقلوا ) كل الافكار الاستعماريه الغربيه ، وخلطوها بالقسوه الفطريه لدى المحارب اليابانى الذى لا يخشى الموت بطبيعته بسبب قسوة طبيعة بلاده وكوارثها الدائمه ، والنتيجه كانت احتلال رهيب بمعنى الكلمه !
الحلقة القادمة نكمل حديثنا عن اليابان بعد ان تم تحديثها و الحربين العالميتين !!
Comments
Post a Comment