تحدثنا فى الحلقات السابقه عن تطور اليابان عبر العصور ، وكيف قررت فجأه ان تخرج من عزلتها وتنفتح على العالم ، وتنقل اسباب التقدم من الحضاره الغربيه ، واستغرقها الامر نحو نصف قرن لتبدأ فى جنى ثمار ما زرعته من تحديث
اثناء الحرب العالميه الاولى (1914) استفادت اليابان كثيرا ، لان من حسن حظها كانت مصانعها بدأت تصبح جاهزه اخيرا ، يعنى نعتبرها كانت وش السعد عليهم ، اوروبا الصناعيه مدمره بشكل واسع بسبب الحرب ، مصانعها متوقفه ، الاسواق متعطشه لاى انتاج وباسعار مرتفعه ، وبالتالى استفاد الاقتصاد اليابانى من تلك الفرصه المثاليه والتى جاءته فى وقت رائع مع نهاية فترة المنجى وحققت فائضا ضخما فى ميزان المدفوعات ، وقامت بتوريد السلاح للحلفاء ما ساعد على تطوير السلاح لديها بمعونتهم ايضا ، بل واكتسبت مستعمرات ايضا كانت المانيا احتلتها ، وهى جزر فى المحيط الهادى بالقرب من الفلبين و بابوا غينيا الجديده ، ما اضاف بعضا من الموارد الاستوائيه لثرواتها دون جهد ، حيث لم تضار باعمال حربيه عكس منافستها الشرسه اوروبا ان ذاك !
ستجد فى الشارت المرفق مايفيد انخفاض الدولار امام الين طوال هذه الفترة
عقب الحرب العالميه الاولى بدأت الافكار الشيوعيه تصل لليابان ، وتنتشر ، افكار الالحاد و الشيوعيه اليساريه تزدهر فى العالم كله بسبب التجربه السوفيتيه ، ونظرا للرأسماليه المتوحشه فى اليابان ، وجدت بعض القبول ، وفى ذلك الوقت كانت الشيوعيه صنوا للعنف والتخريب ، اليابانى بطبعه يقدس بلده وامبراطوره ، فكان كالعاده لكل فعل رد فعل ، ازدهر اليمين القومى ، بل وازداد تطرفا ، ووجد فى افكاره المتوارثه حول تفوق الانسان اليابانى ورعايته من الالهه معينا خصبا للازدهار بين افراد الشعب والسياسيين والعسكريين ، بدأ الجميع يشعر بالفخر نتيجة التطور الصناعى والعسكرى والاقتصادى ويشعر ان الاقتصاد يحتاج المزيد من الموارد لمزيد من النمو ، وان الامبراطوريه اليابانيه امر قابل للتحقيق الان فى ظل حالة الخمول فى دول الجوار ! وانتشرت افكار تدعوا الى احياء (( الساموراى )) فى ذلك العصر الذى كانت افكار النازيه بدأت تشق طريقها ، والكلام عن تفوق العنصر الارى يغزوا الافاق ورموز الجرمان الغزاه المنتصرين تزدهر فى وسط اوروبا ( سبق ان تكلمناعنهم ايضا فى مقالات سابقه) ، فلماذا لا يقلد اليابانيون الالمان ، و يعيدون احياء معتقداتهم عن تفوق العنصر اليابانى والكامنه فى داخل كل واحد منهم ( بالاسفل ستجد صورة منشور دعائى يابانى فى تلك الفترة )
ومع هذا كله ، فان جو الحريات الذى بدأ مع عصر الميجى ، و الغاء القيود التى فرضها الشوجن على الانجاب ( للحفاظ على الموارد القليله ، الحقيقه ان الشوجن كانوا بعيدى النظر فى تلك الامور ) تسببت فى مضاعفة السكان حرفيا من 30 مليون مع بداية عصر الميجى ، الى 60 مليون مع نهاية الحرب العالميه الاولى ( فترة الازدهار الاقتصادى لليابان ) ، ما اضطر اليابان لاستيراد مستلزماتها مره اخرى ، وبدأت مكتسبات الازدهار السابق تتاكل ، بسبب الزياده السكانيه ( واخدلى بالك انت ؟!) و زاد التضخم وتاكلت قيمة الين ومدخرات اليابانيين بسرعه!!! ، رغم تحسن قيمة الين امام الدولار
اضف الى هذا ان مصانع اوروبا اشتغلت ثانيه وبدأت تغزوا بمنتجاتها الجيده ، الاسواق الاسيويه مره اخرى ، وبدأت المصانع اليابانيه تعانى الامرين بعد الازدهار ، سواء لتوفير اسواق ، او لتوفير موارد رخيصه لتنافس اوروبا ، وازداد الامر سوءا فى نهاية عقد العشرينات ، اما فى الثلاثينات فبدأ الكساد الكبير ( لعلك تذكر ما شرحناه سابقا حول ازمة الكساد الكبير فى سلسلة الازمات الماليه والاقتصاديه ، و زاد التنافس حدة بينهم وبين الاوروبيين على الاسواق الاسيويه ، ولم تكن اوروبا مستعده لخساره هذا السوق ، بعد انهيار السوق الامريكى
العالم الغربى يخفض عملاته ، وترد اليابان بتخفيض عملتها الى اقل من النصف ، وتزدهر صادراتها النسيجيه مره اخرى ( يعنى تعويم زى اللى حصل فى مصر ، و خسر المواطن اليابانى قيمة مدخراته بسرعه ، لكن المواطن اليابانى ذكى و عملى ، فاتجه لمزيد من التصنيع والتصدير ، واستفاد طبعا من هذا ، عكس ناس تانيه ) ، ما اخبرك به كانت هى الاجواء فى فترة الحرب العالميه الثانيه ، التى سبقها حرب تجاريه عنيفه مهدت للحسم العسكرى بين الطرفين !
وهنا كان لابد لليابانيين من حل ، لا بديل عن السوق الصينى ، والموارد الصينيه ، العسكريون كانوا الحل الوحيد امامهم وقتها !!
بدأت الحرب بين اليابان والصين تشتعل مره اخرى بسبب الشهوه التوسعيه لدى اليابانيين ، ونظرا لاحتياج اليابان لمزيد من الجنود لمواجهة الصين ، تم تجنيد الكوريين اجباريا ، فهرب الرجال الى الصين ليشنوا حرب عصابات على الجيش اليابانى ، اما النساء فاجبرهم اليابانيون على العمل (( كفتيات متعه )) كبديل عن فتيات الجيشا ، التى يعرفهم اليابانيون فى ثقافتهم ، بينما كان الامر بالنسبه للكوريين هو عبوديه و اغتصاب لا اكثر ، ووصل الامر الى نحو 200 الف فتاة وامرأه كوريه تم اجبارها على الترفيه عن جنود الامبراطوريه اليابانيه
فى 1937 كانت الحرب اليابانيه الصينيه الثانيه مشتعله لاقصى مدى ، اليابانيون سعداء بكم الموارد الرخيصه التى وجدوها فى منشوريا (شمال شرق الصين ) والتى جعلت اقتصادهم يزدهر بعنف ، وصل الجيش اليابانى لشنغهاى ، الميناء الضخم ، ثروات هائله تنتقل لليابان بسرعه ، وتجعل شهوة الربح السريع هى سيد الموقف ( فى ذلك الوقت كان كل ما يشغل بال المصريون هو الاستقلال من الاحتلال البريطانى الذى يسيطر على كل شىء فى البلاد ، و ينهب مقدراتها وثرواتها لصالحه ويسخرها لخدمه قواعده العسكريه ، ويجبرها ايضا على شراء منتجاته ، بينما ينال هو المواد الخام بابخس الاسعار )
المشكله ان تعداد الصين و مساحتها اكبر بكثير من قدرة الجيش اليابانى على ادارتها ، وبدأت الخسائر تظهر نتيجة اتساع رقعة الاعمال الحربيه من جهه ، و نتيجة التدخل الامريكى فى الحرب عقب هجوم بيرل هاربور الاخرق من جهه اخرى ، هذا اضافة الى الدعم السوفيتى القوى ، السوفيت اعداء الامس وجدوها فرصه سانحه لرد اعتبار بلدهم امام اليابانيين ! بينما فى نفس الوقت تقريبا كانت المانيا و ايطاليا يعترفان بالتواجد اليابانى فى الصين ، ما ساعد التحالف بينهم !
لم يكتف اليابانيون بجبهة الصين ، وانما شملت عملياتهم العسكريه اغلب جنوب شرق اسيا ايضا ، بعض جزر الفلبين و اندونيسيا و ماليزيا وارتكبوا نفس الخطأ التاريخى بالتوسع اكثر من قدرات خطوط الامداد واكبر من قدرات الجيش نفسه على التوسع !
انت تعرف ما حدث طبعا بعد ذلك ، انهزمت اليابان و ضربت بالقنبله النوويه فى هيروشيما ونجازاكى ، لكن اغلب اليابان والمناطق الصناعيه و التجاريه كانت خارج هاتين المدينتين ، ونجت من الضربات المدمره ، لكن استسلمت اليابان ، و استسلم الامبراطور اليابانى ، حفيد الشمس !!
Comments
Post a Comment