Skip to main content

سلسلة كيف تطورت تلك الأمم ؟ حقائق واوهام !....اليابان... الجزء الخامس.. دروس مستفادة


تكلمنا فى الحلقة السابقة عن اعادة بناء اليابان بعد الهزيمة ، و احتلالها من الامريكى ونستكمل اليوم الامر مع توضيح لاهم دروس تلك التجربه

 يندهش الكثيرون كيف قام الصانع اليابانى بادخال التكنولوجيا الحديثه الى بلده

الاجابه فى شقين
الاول
 الشركات الامريكيه وجدت فى اليابان فرصه استثماريه ، فنقلت تدريجيا شركات امريكيه فروعا لها فى اليابان ، او اشترت اسهما فى شركات قائمه ما ساعد على نقل التكنولوجيا بدعم سياسى قوى من امريكا ، لتقوية موقف اليابان امام الشيوعيه ، وهو جزء مما عرف باسم مشروع مارشال ، الذى قادته امريكا فى اليابان والمانيا الغربيه ، لضمان عدم تحولها للشيوعيه من جهة ولضمان التحكم فى رأس المال ولا يزال الامر ساريا الى اليوم 

الثانى 
 الصانع اليابانى نفسه اتجه لشراء براءات الاختراع من شتى الدول الغربيه ، وكلفه هذا كاستثمارات بمليارات الدولارات ، وبلغت براءات الاختراع وحقوق التصنيع ، التى اشتراها اليابانيون عشرات الالوف ، واهتموا كثيرا بمتابعة الاختراعات الجديده اكثر من اهتمامهم باختراعات بانفسهم ، وانشغلوا اكثر بايجاد تطبيقات لتلك الاختراعات ، ربما لا تخطر على بال المخترع نفسه ، وتطويرها و بيعها ، وبهذا بدأ المنتج اليابانى فى التحول الى تقديم الجديد ، رغم ان هذا الجديد غالبا فى الاساس اختراع غربى ، الا انه يقدم للمستهلك النهائى على انه  منتج يابانى  !!


لم يهتم اليابانيون بالالكترونيات نظرا لانهم معجبون بها فقط ، ولكن لانهم رأوها مستقبل العالم ، ولهذا اتجه الشعب اليابانى تلقائيا لتعلمها وتصنيعها وشراء حقوق الاختراعات من المخترعين فى دول كثيره فى العالم ، واهتموا ايضا بالكيماويات ، لانهم رأوها مستقبلا اخر للبشريه ، يرتبط بصناعة لا يمكن الاستغناء عنها وهى صناعة الادويه ، واغلب الصناعات تستخدم كيماويات ، مثل النسيج ، المعادن ، الطعام وغيره ، اضافة للالات الدقيقه ، والروبوتات ، وكان من ضمن اسباب اهتمامهم بالاخيره ، هى تخفيض تكاليف الانتاج ، وتخفيض العنصر البشرى ، وبالتالى فان اى مشكله سكانيه مستقبليه لدى اليابانيين بسبب ارتفاع معدلات الاعمار ، سيكون لها حلا ( روبوتيا ) لاحلاله مكان العامل البشرى ، وتخفيض نسب الخطأ لادنى درجه ، ستجد اهتماما بالقيادة الذاتيه للسيارات و القطارات و اتوبيسات النقل العام ، و ستجد مصانع مؤتمته بشكل كبير ، ولهذا لم يتأثر الانتاج اليابانى بشكل ملموس رغم كل ما يتم ترديده عن مشاكل ديموغرافيه ، ورغم انه يعانى من الركود منذ فترة التسعينات ، لكن لاسباب اخرى منها الصعود الصينى و ظهور قوى للنمور الاسيويه ما سحب البساط من تحت قدميها ، وبدأت اليابان تقدم لجيرانها دورا تنمويا كمعلم و قائد ومثل اعلى فى التنميه وكدليل على انتهاء المرحله التوسعيه من تاريخها

نستطيع ان نستفيد من اليابان عدة دروس هامه بخصوص محاولتنا للتنميه فى مصر

اولا :القطاع الخاص قاطرة النمو ، فلا ينبغى ان تقول هو ليه مصر بتنتجش كذا ؟
 مصر لا تنتج ، انت اللى بتنتج ، اليابان لم تنتج وانما الشعب اليابانى هو من ينتج، ولو مقتنع ان هناك فرصه فى انتاج شىء ما ، والامر سهل ، فعليك بدراسة الامر و البدء فى التنفيذ بنفسك ومن معك ، المبادره هى الحل ، كما فعل اليابانيون دوما

ثانيا: الدوله دورها الاصلى هو الارشاد والتوجيه والرقابه ، ولا ينبغى على المواطن ان يركب دماغه ويعتبر نفسه اذكى من المتخصصين ، فاليابان ارشدت مواطنيها للصناعات التى تراها مستقبليه ومفيده ، وهم استجابوا كما هو واضح ، مصر الان تعلن كثيرا عن الخرائط الاستثماريه والفرص المتاحه وتوفر دراسات جدوى ، لكن الكثيرين يفضلوا ان يتجاهلوا كل هذا !

ثالثا: الواقعيه ، العمليه ، صفات اساسيه فى النجاح اليابانى ، لابد من الاتسام بهم ، متفسرش الواقع بناء على رغبتك لما ينبغى ان يكون فى رأيك ، بل فسره على ماهو عليه ، كما هو ، وحاول ان تستفيد منه على وضعه

رابعا : التحديث المستمر امر حتمى ، والا ستنهار و تنحدر ، هذه سنه الله فى ارضه ، لو وقفت مكانك سترجع للوراء ، لابد ان تجدد وتكبر ، والا ستنقرض

خامسا : السبيل لتحسين الاحوال هو العمل الشاق ، والادخار من خلال التقشف وتقليل مصروفاتك ، واختيار العمل المجزى ماديا ، ليس الهدف ان تعمل كثيرا والسلام ، الهدف ان يكون لك دخل مرتفع ، وبالتالى ضيع من وقتك شويه تفكر ازاى تحقق ده ، اليابانيون فعلوا هذا ، نبذوا صناعة النسيج مبكرا ، وتوجهوا لصناعة الالكترونيات والكيماويات مثلا لانها اكثر ربحا واقل منافسه وقتها !!

سادسا : استفد من الحضارات المتقدمه كما هى ، متحاولش تحط التتش بتاعك عشان متبوظش الخلطه ، اغلب خلطات التقدم بتبقى كومبو ، كله مع بعض ، يا تاخده كله ، يا تسيبه كله ، انما شغل الكوكتيلات ده مصيره عادة الفشل ، مفيش حاجه اسمها عاوز رأسماليه ، وفى نفس الوقت دعم واسعار رخيصه ، ده هبل يا بن الحلال ومفيش حد بيقدمه

سابعا : التضخم علاجه انك تخفض استهلاكك لادنى حد ، وتزود انتاجك لاقصى حد ، هتقول ازاى اخفض استهلاكى ، يعنى ما اكلش ، الصراحه انا شايف كروش بتقول انك بتاكل اكتر من اللازم واغلبنا بيعانى من امراض السمنه فبلاش سهوكه واستعباط، اليابانيين كانوا بياكلوا رز نىء و سمك نىء ( اكثر اكل متوفر فى بلدهم ) عشان يوفروا ثمن الاكل المستورد الغالى ويوفروا ثمن الوقود المستورد الغالى ، واللى وفروه ، عملوا بيه مشاريع ، متجوزوش بيه ولا جوزوا عيالهم ، الانتاج اهم ليهم ولاولادهم ولبلدهم ، الدنيا فيها اشياء كتير اهم من كده والا هتفضل فى نفس المستوى وعمرك ما هتطور ، وربما تنحدر ، واللى انت متعرفوش ان اغلب استهلاكنا من الفول ( مستورد ) لانك بقيت موظف لا تنتج شىء حقيقى ، اجدادك اعتبروا الفول رخيص لانهم كانوا بيزرعوه ، انت بتستورده ، وعاوز برضه تعتبر رخيص ، لانك مبتشغلش مخك ، حافظ مش فاهم ! واتكلمنا عن الموضوع فى مقال الادخار ايضا لان الادخار امر حتمى للتقدم الاقتصادى ، مفيش دوله بتتقدم اقتصاديا بمعدلات الادخار السيئة اللى عندنا 

ثامنا : اليابان فى اخر 40 سنه زادت عشر مليون ، واحنا زدنا 60 مليون تقريبا ، هم كانوا 117 مليون وبقوا 127 مليون ، احنا كنا 42 مليون وعدينا ال 100 مليون ، يعنى قربنا نحصلهم بعد ما كنا ثلثهم ، اعقلوا ربنا يهديكم !

تاسعا: شراء براءات الاختراع ربما يكون حلا مؤقتا وجيدا لضعف البحث العلمى ، لكنه يحتاج استثمارات قويه من القطاع الخاص ، البحث العلمى ليس شعارات فقط ، مش مهم يبقى مصرى ، المهم انك تبقى فاهم اهميته وتستعمله وتدور عليه

عاشرا : مفيش حاجه اسمها مستشارين ملهومش لازمه ، اليابان بنت نهضتها فى الاساس من خلال خبراء ومستشارين اجانب لان مكنش عندها حد يقوم بالدور ده ( التقديرات تصل لبضعة الاف منهم وفى جميع التخصصات بما فيها الفنون والرسم والنحت ) ، وبمجرد ان توفر بديل محلى بعد ارسال البعثات و تزايد الخبرات لدى المساعدين اليابانيين مع هؤلاء الخبراء والمستشارين ، حلوا محلهم ، ولم يستغنوا عن فكرة المستشارين ابدا !

النقطة الحادية عشر الحكومه اليابانيه باعت شركاتها للقطاع الخاص باسعار منخفضه ( اقل من نصف سعرها ) ، رغم انها لم تكن شركات خاسره !! لتنشيط القطاع الخاص وتقليل المصروفات الحكوميه ، واكيد الموضوع هيبقى فيه نسبة فساد ، لكن فى النهايه دى فايدة للجميع بما فيهم انت ، فبطل شعارات فشلت حتى فى بلد المنشأ بتاعتها وانضج بقى

تصحيح بعض المعتقدات الخاطئه عن اليابان والتى اتمنى ان نكون غيرناها

 اليابان لم تبن نفسها من الصفر بعد الحرب العالميه الثانيه ، كان لديها قاعدة صناعيه وتجاريه وماليه متميزه ، وتلقت دعما امريكيا كبيرا ساعدها ، وتوجهت الاستثمارات الامريكيه الى اليابان بدعم سياسى امريكى كامل ، نتيجة للخضوع اليابانى الكامل للاملاءات الامريكيه !

 تقدم اليابان فى المقام الاول يعود لاجتهاد الشعب اليابانى وليس لعبقريه خاصه بهذا الشعب ، ولا لحكومته ، ويعود ايضا للرغبه الداخليه لافراد هذا الشعب لتحقيق النجاح ، وواقعيتهم و عمليتهم التى افادتهم فى تشخيص الواقع و قراءته و التعامل معه

 الظروف الدوليه خدمت الاقتصاد اليابانى كثيرا على عكس مصر فى القرن الاخير وان كان هذا لا يفسر كل شىء

 اليابان ليست مستقله بشكل كامل ، بل هى شبه محتله امريكيا ، ولا تستطيع ان تتخذ مواقفه حادة ضد التصرفات الامريكيه ، حتى لو كانت ترفضها ، يعنى سيادتها تقع تحت حماية القواعد العسكريه الامريكيه ، استقلاليتها بالنسبه لمعايير المصريين تعتبر وهميه نسبيا

 اليابان تم تغريبها بشكل مكثف بقبول وموافقة الشعب اليابانى ( بنسبه كبيره ) وبالتالى فقدت الكثير من هويتها لصالح الحضاره الغربيه ! ده كان جزء اساسى من الثمن

 النهضه اليابانيه لم تبدأ بعد الهزيمه فى الحرب العالميه ، بل بدأت قبل هذا بخمس وسبعين عاما تقريبا !!

 اليابان قامت باصلاحات زراعيه تشبه مثيلتها فى مصر فى عهد عبدالناصر والامر خلاف ما يروج له من اعداؤه رغم سلبياته

تغيير نظام التعليم اليابانى استغرق اكثر من اربعين عاما ، والامر ليس هينا ولا بسيطا كما نتصور

الشعب اليابانى ليس هو الشعب الكيوت اللذيذ الى بيفكرنا بالطالب المجتهد اللى عمره مبيعمل حاجه غلط، الحقيقه ان الافكار العنصريه موجوده عنده ، ويتسم بالقسوه الى حد كبير ، كون ملامحه بالنسبه لينا تشبه الاطفال ، فلا ينبغى ان نسقط عليه انطباعتنا الساذجه

فى النهايه الشعب يستطيع ان يفعل ما يريد اذا توفرت لديه الرغبه والارادة الحقيقيه ، لا حكومه ولا دول اجنبيه و لا جيوش ، تقدر تمنعه ، والشعب الذى يفشل فى تحقيق هدفه ، هو الشعب الذى لا يستحق تحقيق هذا الهدف

Comments

  1. السلسله رائعه
    عايزين بقيه دول تانيه لانها ممتعه جدا الصراحه

    ReplyDelete
    Replies
    1. ان شاء الله انزل الباقين تدريجيا ، سنغافورة وماليزيا

      Delete

Post a Comment

Popular posts from this blog

فيلم الشعله ....معلومات لا تعرفها عن فيلم كان يعرض كل عيد

يتذكر اجيال ما قبل التسعينات   فيلم الشعله ، الفيلم الهندى الاشهر  اعتدنا جميعا ان نشاهده ظهر احد ايام العيد على القناة الثانيه المصرية يرتبط الفيلم مع بعضنا بذكريات الاعياد ، او حتى نوادى الافلام الهنديه ، التى كانت تعرض تلك الافلام وعلى راسها فيلم الشعله كمقهى صغير لجذب الرواد ، منذ نهاية السبعينات  نرصد معا بعض المعلومات عن الفيلم الذى لا ينساه مصرى او مصريه فى ذلك الزمن الفيلم من انتاج عام 1975م  تم تصوير الفيلم لمدة تزيد عن العامين والنصف تم عرض الفيلم فى السينمات لفتره اسطوريه ، تصل الى 5 سنوات تقريبا ، وهو امر غير مسبوق طبعا ابطال الفيلم  ا ميتاب باتشان لم يكن هو البطل الاول للفيلم فى شخصية جاى ، وانما كان فى وقتها نجما صاعدا ، حيث ان مسيرته وقت اختياره كانت 3-4 سنوات فقط فى بوليود بينما كان بطل الفيلم الاول هو  دارمندرا الذى قام بشخصية فيرو  لهذا كانت وفاة اميتاب فى الفيلم طبيعيه ، وان كانت صادمه للجمهور العربى عموما ، والذى يعتبر وجود اميتاب باتشان فى اى فيلم  يعنى انها بطولته المطل...

ما هو ترتيب مصر عالميا من حيث الجريمه المنظمه و خدمات الشرطة ؟

احد الموضوعات الحرجه والتى يتجنب الكثيرون الحديث عنها  واحد اكثر الموضوعات التى حدث فيها غسيل دماغ للمصريين  هناك معيار دولى سنلتزم به وهو تقرير التنافسيه العالمى 2018 The Global Competitiveness Report  يعطى التقرير الشرطة المصريه من حيث الموثوقيه والاعتماديه Reliability of police services درجة 4.8 من اجمالى 7 درجات طبقا للمقياس الخاص بهم  المفترض ان 7 هى افضل مستوى للموثوقيه  و 1 هى اقل مستوى  ترتيب الشرطة المصريه وخدماتها هنا كان 51 عالميا من اجمالى 140 دوله  وهو ترتيب جيد جدا ... انت تقريبا فى الثلث الامامى  ترتيبك فى الجريمه المنظمه هو 43 على العالم ، بسكور 5.3 من 7 ، وهو ايضا سكور جيد جدا بين دول العالم الثالث ، ان لم يكن ممتازا ، ولاحظ انه يرتبط نسبيا بكفاءة جهاز الشرطه ماذا عن دوله مثل تركيا ؟  ترتيب موثوقيه واعتمادية خدمات الشرطة التركية عالميا هو 90 و بسكور 4.1 فقط  الجريمه المنظمه فى تركيا يجعلها فى الترتيب 91 عالميا وبسكور 4.4 اذن باختصار الشرطه فى مصر اكثر ...

لماذا تحالف اليساريون مع الاخوان؟ الحلقة الاولى..... اليسار

الحلقة الأولى  اليسار المقال ده باجزاءه ، غرضه التبسيط والتوضيح للقارىء العادى ، وليس الخلاف حول التعريفات السياسية المتخصصه هحاول هنا اربطلك شوية حاجات تبدوا مبهمه احيانا للقارىء العادى لحد ما نوصل مع بعض لاجابة السؤال اللى فوق اى عارف بتاريخ اليسار سواء فى مصر او غيرها ، سيعلم علم اليقين ان العلاقة بينه وبين اليمين الدينى المتطرف وجماعاته "كجماعة الاخوان" كانت دوما علاقة عداء صريح ، علاقة يشوبها الاتهامات المتبادله ، وانعدام الثقه لكن اى نظرة لعلاقتهم فى السنوات الاخيره ستصيبك بالاندهاش ، اصبح الاثنان فى معسكر واحد دوما ، وعادة ما يكون هذا المعسكر ضد الدوله نفسها ، والانكى ان تجليات التعاون عادة ما تنتهى فى غير صالح اليسار، فلماذا التعاون والالتصاق المستمر اذن؟! لكى نفهم الامر بشكل افضل تعال فى رحله بسيطه حول المسميات والافكار من هم اليساريون؟ كلمة اليسار فى الفكر السياسى تعود اساسا لعصر الثورة الفرنسيه عندما كان المعترضون او المعارضون ، الراغبين فى هدم النظام الحالى واستبداله بنظام اخر يجلسون الى اليسار ، بينما المؤيدون والمحافظون وال...