الثقافة بين عصر مبارك والعصر الحالى
--------------------------------------
الجزء الاول
-----------
مفيش خلاف على اهمية الثقافه ، ولا على اهمية دور الدوله فى دعم الثقافه
ومفيش خلاف ايضا على اهمية الثقافه فى مكافحة الارهاب وافكار الارهابيين
كيف قررت الدوله فى نظامين ان تستعمل الثقافه
اولا لازم نفرق بشكل جوهرى بين المثقف والمتعلم
هناك عشرات الملايين من المتعلمين فى مصر ، لكن اغلبهم ليسوا مثقفين
لا يشترط ان يكون المثقف متعلما ، ولا يشترط ان يكون المتعلم مثقفا
التعليم الرسمى المصرى لا يخرج مثقفين ، فقط هو يعطيك الادوات الاساسيه وعليك ان تستعملها للتثقف
---------------------------------------------
انا اعتبر ان عملية (التعلم) هى الاقرب لعملية (التثقف) لان كلاهما مهاره ذاتيه ، اما (التعليم) فهو عمليه تفاعليه بين المدرس والمتلقى لنقل المعلومه ، لكنها لا تضمن فهما لتلك المعلومه ، سواء كان فهما عميقا او سطحيا ، فقط الشخص نفسه هو الاقدر على الحرص على الوصول الى هذا الفهم ، واذا لم يكن لديه الرغبه او الاستعداد ، فلن يصل لفهم حقيقى او عميق للمعلومه ، لن يصل الى فهم (تحليلى) لها ، وبالتالى لن يكون مثقفا ابدا مهما بذلت انت من جهد
----------------------------------------------
واجهت الدوله فى عهدى النظامين ( مبارك والسيسى) هجمات ارهابيه شرسه للغايه ، وتقرر فى العصرين ان المواجهه الامنيه على اهميتها ، فانها لن تكون كافيه للقضاء على شأفة الارهاب وافكاره فى المدى المنظور
ومن الطبيعى ان تكون الثقافه جزء اساسى فى هذه الحرب ، لقطع تلك الافكار التخريبيه من جذورها بافكار اصح للمجتمع والناس
------------
عهد مبارك
------------
كانت رؤية الدوله وقتها ، لا نعلم سابقه ام لاحقه ( يعنى منعرفش مين اللى سبق مين) لرؤية السيدة الاولى وقتها ، سوزان مبارك ، التى كانت ترى ضروره نشر الثقافه والمكتبات والكتب فى كل بر مصر
بدأت الرؤيه المدعومه من السيدة الاولى بشكل قوى منذ 1991 ، وكانت سلسله مكتبة الاسره بعد ذلك، هى درة هذا التاج فى رأيى
لاول مره اصبح لوزير الثقافه مكانه مهمه بين الوزراء منذ فتره طويله ( على الاقل منذ عصر مبارك الغير مهتم بشكل شخصى بالثقافه) واصبح فاروق حسنى اسما لامعا على مدى سنوات وزارته ونظر له الجميع باعتباره من المقربين للسلطه الغير قابلين للتغيير
ولاول مره يصبح رئيس الهيئة العامه للكتاب شخصيه معروفه للعامه ( وربما لاخر مره )
ولا نعلم يقينا ، هل كانت هذه السلسله العملاقه العظيمه ، مجرد نزوه او فكره على بال راعية المشروع ، ام انها كانت توافقا وتصادفا حسنا لرؤية الاجهزة فى الدوله لمكافحة الفكر المتطرف ؟!
لم تكن هذه السلسله هى الوحيده التى صدرت ، فقد اصدرت ايضا سلسله مختصه بما سمى وقتها (التنوير) ، وان لم تلق اعجابا كبيرا او نجاحا واسعا ، واغلب كتابها كانوا مثل جابر عصفور ، و نصر ابوزيد (صاحب قضية التكفير الشهيره) ومن هم على نفس المنوال ، ولم تحقق المرجو منها ، لان الشعب المصرى كان مصابا بتشكك مرضى مزمن من اى افكار تطرحها جهه قريبه من السلطه
كان يفضل كثيرا الافكار الاخوانيه واليساريه وتعشش فى رأسه وتملا دماغه ، وتجد هوى فى نفسه بالمزج الاسلامى اليسارى ، ولهذا فان اهتمامه بمزايدات ( جريدة الشعب) مثلا كانت اكبر بكثير من اى نقاش ثقافى جاد او حقيقى
وعلى الرغم من انها افكار غير ناضجه و مراهقه ، الا ان اهتمام المصريين بما عرف وقتها بالصحف الصفراء ، وما فيها من مواد موجهه فى الاساس للمراهقين عقليا ونفسيا ، يشير الى ان المصريين كانوا فعلا فى فتره مراهقه ، لم تتحمل الجرعه الثقافيه العاليه المتعاليه على اذهانهم المرهقه المراهقه انذاك ، وفضلت عليها الافكار السطحيه التى قدمتها لهم الشعب والنبأ و قواعد الاخوان فى الجامعات والمصالح الحكوميه
لم يهتم المصريين كشعب وقتها بفرج فوده ومقتله مثلا ، واغلب الوقت كانت الرؤيه الاخوانيه التكفيريه للرجل انذاك ، هى السائده شعبيا (طبعا الاخوان لا يعلنون هذا الموقف لكن قواعدهم كان تنشره بكثافه حتى لو انكرته نشرات مكتب الارشاد الكاذبه)، حتى وان رفض الناس القتل ، فانهم لم يثوروا له غضبا ، وان اثارت محاولة اغتيال نجيب محفوظ استنكارا شعبيا واسعا ، نظرا للاحترام الذى يحظى به الرجل شعبيا، سارع الاخوان عبر قواعدهم الى اشاعة ان روايته الشهيره ( اولاد حارتنا) كانت سبب حصوله على جائزة نوبل لانها ( رواية كافره وضد الاسلام ) رغم ان الروايه المذكوره منشوره منذ 1962 ، يعنى قبل حصوله على نوبل بربع قرن تقريبا !!
ولما اثارت تلك الافكار لغطا وعدم تقبل واسع بين الناس ، سارعوا لاشاعة انه (تاب عن هذه الروايه مؤخرا لانه لم يكن يعلم انها مخالفه للدين) وبهذا بعد ان فشلوا فى تشويه الرجل تماما ، واصبحوا فى مهب الريح ، سارعوا لاستتابته منها ، وكلا الاشاعتين مصدرها واحد ، و من عاش تلك الفتره يتذكر هذا الكلام المنتشر بين الناس
هذا هو كان الوضع الفكرى وقتها ، تمدد فكرى رهيب لافكار اليسار الاسلامى الداعمه للاخوان ومخططاتهم ، يغذى تشكك كامل فى كل ما له علاقه بالسلطه او الدوله ، وتكفير سريع لكل من يعارض هذا الاتجاه الفكرى باى شكل من الاشكال ، ثم تعرض الشخص نفسه للتصفيه الجسديه كأمر محتمل ووارد ، وهو ما وضع عدد من الادباء والفنانيين على قائمة الاغتيال فعليا ، مثل عادل امام ووحيد حامد وغيرهم من كبار الصحفيين والادباء والفنانين ايضا
لم يكن امام مجتمع المثقفين المهددين بالاغتيال وقتها سوى الارتماء تماما فى حضن الدوله ، او حضن السلطه ، لا فارق انذاك ، فالتماهى كان كاملا ، و عندما يصل التهديد لحد القتل ، فالامر لم يعد يحتمل رفاهيه المعارضه ، واصبح المشروع الثقافى لمواجهة الارهاب خيارا وحيدا لمجتمع صفوة المثقفين ، ووجدت اجهزة الدوله الامر ميسورا وجاهزا للتعاون بين الطرفين ، فظهرت مسلسلات و افلام للتناول ظاهرة التطرف والارهاب ، ودشنت الكتب و السلاسل المدعومه من الدوله لمكافحة الافكار المتطرفه ، لكن كل هذا كان فى تناغم ظاهر وفج ، جعل التاثير النهائى لها ضعيفا ، ربما لان الناس الساخطه دائما وابدا نظرت لحالة الارتماء الثقافى فى احضان الدوله على انه نفاق للسلطه ، وليس على انه احتماء بالدوله من الارهاب ، كما انها لم تهاجم الاخوان بشكل مباشر ، وانما هاجمت ما اعتبرته ( التطرف الاسلامى او الدينى عموما ) والصوره النمطيه التى اذاعتها للمتطرف باللحيه الطويله و الجلباب القصير ، كانت تختلف عن صورة (الاخوانى) ، الذى استغل الموقف واظهر انه غير مقصود بهذا ، وانه ضد العنف ( والشعب كله كان ضد العنف حقيقه ، لكنه كان صامتا تجاه عمليات التكفير والتصفيه لمن تم تكفيرهم بعد عمليات غسل المخ التى قامت بها القواعد الاخوانيه والجماعات المتحالفه معهم ) كما ان الاخوانى وقتها اظهر دعما ظاهريا للدوله فى حربها على الارهاب ، ووصل الامر ان وصف المرشد مبارك بانه اب للمصريين ، وقامت القواعد الاخوانيه بتفسير الامر للشعب بانه ( مضطر خوفا من الاضطهاد والاعتقال والقتل ) والحقيقه ان ان النظام قرر تقسيم الجماعات للانفراد باكثرها خطوره على المدى القصير وبدا التحالف مع الاخوان وقتها امرا له فوائده الدوليه والداخليه ، من اجل اظهار النظام بشكل ديمقراطى ، ونعرف جميعا انه دفع ثمن هذا الخطأ بعد ذلك فى 2011
---------------------------------------------------
الخلاصه
وجد النظام فى الثقافه المكتوبه والاعمال الفنيه وسيله مواتيه ومتوافقه مع رغبات السيده الاولى ، ومع تطوع الفنانين والادباء والمثقفين المذعورين ، فدعمها من اجل مكافحة الارهاب ، لكنه لم يصل بقوه لعقول الناس ،و قام الاعلام بدور لكنه كان بعيدا عن قناعات الناس لانه اعلام السلطه بشكل رسمى فى التسعينات على الاقل ،تم بذل مجهود ثقافى لكن .....ماذا كانت النتيجه ؟
من جهة ساعدت فعلا هذه المشاريع على نشر الثقافه ، ودخلت بيوت المصريين عشرات الكتب التى لم تكن لتدخل بيوتهم لولا الاسعار المخفضه لها ، وهو امر يحسب لمن قام على المشروع بلا شك
بينما لم تنجح تلك المشاريع الثقافيه الكبيره فى وأد افكار التطرف ، هو الهدف الاصلى الاهم من وراءها ، ولم تنجح فى انضاج المراهقه الفكريه ، ورأينا جميعا كيف انها استمرت تحت السطح فى قطاعات واسعه ، لايزال بعضها يردد نفس الكلام الفارغ الى اليوم ، صحيح انها بذرت وخصبت بعض الارض للثقافه ، لكن نجاحها فى رأيى لم يصمد امام رياح الواقع ولا رياح السوشيال الميديا
الجزء الثانى عن العصر الحالى
Comments
Post a Comment