سبق ان اوضحنا سبب التسمية فى المقال السابق وبما ان المطالبون بالتغيير عادة هم اليسار ، فان المحافظون والراغبون فى تدعيم استقرار الاوضاع هم اليمينيون
وكما كان اليسار درجات وانواع ، فان اليمين ايضا درجات وانواع
لكن فى مصر وهى ما يهمنا الان نستطيع ان نقول ان لدينا

يمين قومى
وهؤلاء يهمهم فى المقام الاول الحفاظ على الدولة واستقرارها بكافة مؤسساتها واقصى ما يطالبون به هو تحسين اداء تلك المؤسسات ( هذا من ناحية السياسة)
اما الاقتصاد ففى اليمين القومى ستجد بعض الافكار الاشتراكية مثل الرعاية الاجتماعية للفئات الاكثر احتياجا ، لكن فى المجمل هناك اتجاه الى اقتصاد السوق بشكله (الكينزى) ، بالبلدى يعنى ان يكون هناك دور للدولة فى الاقتصاد ، ليس الدور الرئيسى ، لكن دور يمكنها من ضبط الاسواق والتدخل لاعادة الاتزان اذا لزم الامر ، ونستطيع ان نقول ان هذا الاتجاه كان السائد فى عصور السادات ومبارك والى العصر الحالى
(باستثناء السنوات الاخيره فى عصر مبارك التى كان قد بدأ يفقد فيها بصمته على الحكم لصالح مجموعة ابنه جمال مبارك والتى تبنت الاصلاحات النيوليبراليه بشكل واضح تماما)
لدينا ايضا
يمين ليبرالى
واشهر من يمثل هذا الاتجاه هو حزب الوفد ، ربما منذ نشأته سواء من حيث الفكر الاقتصادى او السياسى ، فهو محافظ بمعنى انه لا يرغب فى تعديل نظام الحكم بشكل جذرى و ليبرالى لانه اكثر تسامحا وحريه مع الاقليات بكافة اشكالها (لهذا برزت زعامات مسيحيه وطنية شهيره منه) اضافة الى انه يميل الى اقتصاد السوق بشكل صريح ، وربما بدون المسحة الاشتراكية الاجتماعية
وفى النهاية لدينا
اليمين الدينى
وهو المشكله الحقيقيه
فى اوروبا يكون اليمين الدينى عادة هو الاحزاب المسيحيه ، وتلك احزاب علمانية تماما ، لكن على اسس اخلاقية مسيحيه ، بمعنى انها ترفض مثلا الاجهاض ، ترفض الزواج الثانى ، وغالبا ترفض زواج المثليين ، وكل هذه هى اسس اخلاقيه مسيحيه ، تم انتقاءها بما لا يتنافى مع العلمانية الغربية ، لكنها لا تعنى حكما دينيا ، بمعنى ان الاحكام القانونيه لا تعرض على اى مؤسسة دينيه للتاكيد على مشروعيتها وموافقتها للديانة المسيحيه ، هنا الفارق ، فهى تكتفى بما اعتبرته مبادىء اخلاقية مسيحيه ، لكنها لن تطبق اى مبادىء او احكام دينيه مسيحيه اخرى ، وتبقى المشكله هى ، من يحدد اذا كان المبدأ الفلانى هو مبدأ اخلاقى ام دينى ، هى لا تمانع (نظريا ) اى ديانات اخرى ، ولا حقوق العبادة بكافة اشكالها ، ولا تنادى بتطبيق احكام العهد القديم او الجديد الجنائيه المعروفة (الحدود) ، بل تم الغاء عقوبة الاعدام فى دول كثيره رغم معارضة الكنائس
اليمين الدينى فى مصر ظهر فى الاساس سياسيا من خلال جماعة الاخوان بتاريخها المعروف ، ومؤخرا كانت للجماعات السلفية المختلفه (ودى نقطة مهمة ، انها "جماعات" متفاوته ومتباينه عكس جماعة الاخوان ) احزاب متعدده ايضا ، هناك تماهى بين جماعة الاخوان ( وبعض ) تلك الاحزاب يصل الى حد التبعية احيانا (بمعنى انها مخترقة من اعضاء فى جماعة الاخوان من القاع الى القمة) ، فى كل الاحوال ، اعتقد ان اى حزب لجماعة سلفيه لن يكون له مستقبل كبير فى مصر لاسباب صارت واضحه ما لم تحدث مفاجئات غير متوقعه
نعود لجماعة الاخوان ، حيث حرصت الجماعه على يد البنا أن تكون غير محددة التعريف ، بمعنى انه يعتبرها نصا "إن الإخوان المسلمين دعوة سلفية ، وطريقة سنّية، وحقيقة صوفية، وهيئة سياسية، وجماعة رياضية، ورابطة علمية وثقافية، وشركة اقتصادية، وفكرة اجتماعية
طبعا هذا تعريف شاذ للغاية ،ويجمع متناقضات كثيره ، وكل الغرض منها فى النهايه توفير اساس لعمليات الاختراق اللاحقة لكافة الجماعات (السلفية مثلا) والاحزاب السياسيه ( اليسارية مثلا ) والقوى العامه فى الدوله (الوزارات) ، بما فيها ( الاندية الرياضية الكبرى وحركات الالتراس ) ، روابط الادباء والمثفقين ، النقابات المهنية ، الشركات والبنوك ، والحركات ذات الطبيعة الاجتماعية ( الجمعيات الخيرية) ، جماعات احتجاجيه (زى 6ابريل) وغيره وغيره ، فكل عملية اختراق واستقطاب ستجد لها مسوغا فى هذا التعريف العجيب
الفكرة هنا تحويل الاخوان ، من جماعة ، الى ((الجماعة)) ، بمعنى ان تصبح هى ممثلا عن ( المسلمين كلهم ) ، او تصبح هى (المسلمين والاسلام نفسه) اما من عداها فسيصبح تدريجيا (عدو) ، لانهم سيقولون ان الجماعه تقبل جميع المسلمين ( سنه وصوفيه ، مهتمين بالسياسه او الرياضه او الادب او الثقافه او العلم ، اقتصاديين ، اجتماعيين ، لابد انك ستجد اهتمامك عندهم ، فان لم تجد فلا شك انك عدو للمسلمين)
لاحظ ايضا ان الكلام كله عن ( المسلمين بالاساس) ومن الطبيعى انك لن تجد مسيحيا فى الاخوان ، ولهذا حرص الاخوان على استقطاب مسيحى مثل (رفيق حبيب) ليكون ( المحلل) باضفاء وهم التنوع وقابلية الاخر )
رفيق حبيب انجيلى بروتستانتى (لا يشكك هذا فى وطنيته) ذو افكار تميل لليسار بعض الشىء وهو ما يتيح له مساحة التعاون مع جماعة متعصبة كالاخوان والتى لن اتهمه بالانتفاع من وراءها وانه ارتضى لنفسه ان يكون (ديكورا لتحسين مظهر الجماعة) ، لكن على الاقل ساتهمه بحسن النية والسذاجة !
وهو اقل ما يقال فى الحقيقه فى الوضع الذى اختاره لنفسه
المهم الان انه تاريخيا عندما نشأت الجماعة كانت هناك منافسة شرسة بينها وبين حزب مصر الفتاة الذى اسسه احمد حسين
حزب مصر الفتاة
كان مزيجا من اليسار القومى (الذى يصل لحد التطرف العنيف احيانا) وبين اليمين الدينى الذى نراه فى جماعة الاخوان ، بمعنى ان نقول انه كان اول مزج (على حد علمى) بين الافكار اليسارية التحرريه القوميه سياسيا وبين المطالبة بتطبيق الشريعة الاسلامية فى الدستور وكل هذا فى اطار سياسى وليس فى اطار دينى كما فعل البنا مع الاخوان
كانت العلاقة بين الحزب والاخوان علاقة تنافس ، فكلاهما يستقطب الشباب ، كلاهما له دعوة لتطبيق الشريعة ، كلاهما له تشكيلات عسكرية ، كلاهما يدعوا لاستقلال البلاد ، بل ان كلاهما دعا للخلافة ايضا باشكال مختلفة ، لكن الاخوان كانوا ولا يزالوا يعتبرون مصر ولاية فى الخلافة ، بينما مصر الفتاه دعت لان تكون مصر هى عاصمة الخلافة ، ولك ان تفهم فارق الفكر الوطنى لدى الطرفين !!
نستطيع ان نقول ان التنافس كان شرسا ، لكن تدريجيا ولاسباب عديده ، وقعت مصر الفتاة فى العنف الساذج مبكرا ، ما جعلها غير مقبولة على مستوى سياسى واسع الا فى نطاق الشباب المتحمس ، اجتهد الاخوان كعادتهم فى اختراق الحزب حتى اوصلوا احد شبابهم الى جوار احمد حسين باعتباره حارسا شخصيا له!!!
كان احمد حسين يدعوا بوضوح لافكار قوميه كتأميم قناة السويس، اضافة لافكار دينيه ، كفرض الزكاة ، ما جعل جماعة الاخوان تلاقى منه منافسه غير هينه حقا
الفارق ان البنا كان اكثر دهاء ، فرغم ان التنظيم الخاص قام بكوارث اكبر بكثير من تصرفات الشباب الاهوج فى القمصان الخضر ، الا انه كان يتملص ويتهرب من تلك الجرائم ويتبرأ منها علنا ، رغم استحالة ان تكون بغير موافقته طبقا لدستور الجماعة والتنظيم ، حقا لقد نجحت الاستخبارات البريطانية فى تربية عميلها الجديد!
تغير اسم مصر الفتاه الى "الحزب الاشتراكى" ثم نحا مسارا يساريا كاملا ، بان الغى شعار " الله ..الوطن..الملك" الى " الله ..الوطن" ، وهو اعلانا بان الملكية لم تعد النظام المقبول لديهم فى مصر كنظام حكم ، لا تتعجب اذا علمت ان اغلب شباب الضباط الاحرار المعروفين كانوا اعضاء فى فى مصر الفتاة فى وقت ما !
فى تلك الاونة كان الكلام دائما ان الاشتراكية هى اقرب ما تكون للاسلام ، بل انها روح الاسلام وهو وتر لعب عليه يسار احمد حسين و يمين حسن البنا وقتها
كان شوقى يصدح فى مدح النبى فى قصيدة ولد الهدى الشهيرة "الاشتراكيون انت امامهم .....لولا دعاوى القوم والغلواء" وتغنيها ام كلثوم ما يتسبب فى ازمة بينها وبين القصر
بعض المحامين من قيادات الحزب كانوا فى هيئة الدفاع عن الاخوان فى القضية الشهيرة ( قضية السيارة الجيب) ومن ضمنهم فتحى رضوان بعد ان تحولت من قضية ارهاب الى قضية مقاومه الاحتلال
القاضى الذى حكم فى القضيه بالبراءة اعلن انضمامه للاخوانه بعدها ولا احد يعلم هل كان اخوانيا من الباطن كالعادة ام لا
شارك الحزب بمتطوعيه فى حرب فلسطين (تماما كالاخوان) وشاركوا كفدائيين ايضا
انتهى الحزب بالحل كغيره من الاحزاب بعد الثوره
ما يهمنا الان ان هناك تقارب بعض الشىء فى الافكار ((المعلنه)) بين الحزب ورئيسه احمد حسين وبين الاخوان(الاخوان لديهم افكار لا يعلنوها خارج ادبياتهم واجتماعاتهم) ،لكنه تقارب ادى لمنافسه شرسه وليس تقاربا فكريا يؤدى للتعاون!!
احمد حسين وطنى قومى بلا شك ، لم يكن ليخطر على بال شخص ان يتهمه فى وطنيته وحبه لبلده ، المشكله كانت فى حماسته المفرطه و التى تصل الى تهييج الجماهير كعادة اليسار ، وهو فى هذا عكس الاخوان الذين انتهجوا التقية دوما مع العمل السرى المنظم ، فبقى الاخوان يعظمون الملك لاخر لحظة علنا ، ولم يركبوا قطار الثوره علنا الا بعد قيامها ، واكتفوا بالاعمال القذرة التمهيديه وقتها !!
-------------------------------
Comments
Post a Comment