تحدثنا الحلقة الماضية عن اليمين القومى ، وعن اليمين الدينى المتطرف ممثلا فى جماعة الاخوان وكيف تشابهت افكاره مع اليسار القومى المتطرف ممثلا فى حزب مصر الفتاه ورئيسه احمد حسين ، ورغم هذا فأن ذلك اليسار القومى الاسلامى القديم ظل منفصلا عن اليمين الاخوانى لانه فى النهايه ظل (قوميا) وهو ما جعله يتنافى تماما مع ابسط القواعد الخاصة بالجماعه وهو ذوبان القوميات لصالح الايدولوجيا
احمد حسين وافكاره امتدت فى السبعينات عبر رفيقه ابراهيم شكرى عندما اتاح السادات للاحزاب العودة مره اخرى فانشئا حزب العمل الاشتراكى مستندا على تاريخ احمد حسين العريض والذى نساه الشباب ولم يعوه فى ذلك الزمن لتباعد الوقت منذ اعتزاله ، ثم من خلال عادل الشقيق الاصغر لاحمد حسين ، والمغرق تماما فى افكاره اليساريه وخلطها بالدين الاسلامى ، وسبق ان القى القبض عليه وسجن مرتين فى عهد عبدالناصر بسبب نشاطه اليسارى المتطرف ( الشيوعية فى ذلك الوقت ) ، يعنى نقدر نقول انه فى شبابه كان اقرب لفكر للاشتراكيين الثوريين ، لان اغلب اليسار التقليدى كان يميل لعبدالناصر وسياساته اليساريه الاشتراكية ، اول مره سجن 3 سنوات والثانيه نحو 5 سنوات
المهم ان عادل حسين قاد الحزب وجريدته فى الثمانينات بنفس الافكار ( الاشتراكية ممزوجة ببعض التطرف الماركسى + الخلطة الدينيه المفضله لديه والتى ورثها عن اخيه السياسى الاشهر) وطبعا كانت جريدة الشعب الشهيرة ، ولاول مره منذ سنوات ، منبرا لليسار المتطرف و للتعاون مع جماعة الاخوان حيث فتح ابوابها على مصراعيها للجماعه لاختراق الحزب والجريدة معا ، بل انه واصل القفز من اقصى اليسار الى اقصى اليمين ، حيث القى القبض عليه اثناء عودته من فرنسا فى التسعينات ويقال ان السبب انه كان يكتب منشورات بخط يده لصالح الجماعة الاسلامية ، اقوى الجماعات الارهابية فى ذلك الوقت والمتاثره بقوة بفكر سيد قطب ، ووجدت تلك المنشورات تحت مقعده فى الطائرة حسب ما اعلن وقتها على ما اذكر!! ، واى شخص قرأ الجريده وقتها يعلم انها كانت مثالا حيا للتهيج والاثارة والتحريض الفج من خلال افكار اخوانيه ويساريه ، يعنى اعتبرها سوشيال ميديا التسعينات
انظر للعناويين من جريده يفترض انها يساريه تصف معارضيها بالملاحدة؟ وتقول ان الدوله تناصرهم ضد المسلمين؟ خطاب اخوانى تكفيرى بامتياز
هنا تكتمل بعض عناصر الدائرة ، احمد حسين ومن بعده اخاه عادل حسين يمثلان العنصر اليسارى الذى تقارب مع الاخوان ووضع اساسا واضحا للتعاون بين اليسار ( المتطرف ) وبين ( اليمين الدينى التنظيمى المتطرف) ، وسيد قطب كان العنصر الاخوانى اليسارى المتطرف الفكر والهوى ايضا الذى تقارب مع الجماعات الارهابية ووفر لها الاساس الفكرى الواضح الذى ستبنى عليه اغلب تلك الجماعات وتبقى متصله فكريا ، او تنظيميا و تموضعا فى احايين اخرى بالجماعة الام ، جماعة الاخوان
ملاحظة ، لمن لا يعلم ، فالجماعة الاسلاميه هذه اسسها عمر عبدالرحمن ،وناجح ابراهيم ، و وكرم زهدى ، ومن اشهر اعضائهاعاصم عبدالماجد ، خالد الاسلامبولى قاتل السادات و عصام درباله و الاخوان الزمر (طارق وعبود) ، وصفوت عبدالغنى رئيس حزب (البناء والتنمية) احد الاحزاب السياسية التابعة نظريا للجماعة الاسلاميه و فعليا كان يأتمر بامر الاخوان كما نعلم وشاهدنا التطابق الكامل والدائم فى المواقف بين كل الاسماء السابقة ( ربما باستثناء ناجح ابراهيم) وجماعة الاخوان
وعندما ترى شخصا كعادل حسين ، يسارى ماركسى متطرف ، يكتب منشورات لصالح تلك الجماعة ويتيح حزبه و جريدته كغطاء لجماعة الاخوان فى نفس الوقت ، فعليك ان تفهم ان الامر مرتبط بشكل ما ، لاتوجد صدف هنا
ذلك التماهى بين اليسار المتطرف و فكر الاخوان ، لم يكن سيد قطب اخر مثال له
فكان حسن حنفى مثلا ، استاذ ورئيس قسم الفلسفه بجامعة القاهرة نموذجا اخر لليسارى الذى يحمل الافكار الاخوانيه ويدافع عنها ويؤصل لها فكريا ويعترف بهذا ايضا ، ويوفر للجماعه الظهير الثقافى الذى تفتقر اليه فى اعضاءها بفضل سياستها فى ضم اعضاء يقبلون بشكل دائم بالسمع والطاعه ما لا يتيح وجود مفكرين تنظيميين
كان ايضا عزمى بشاره اليسارى القومى الاسرائيلى وتقاربه الكامل لتوفير مظله سياسية ثقافية غير دينيه للجماعه على القنوات التابعه لمموليها حيث يدير شبكة تليفزيون العربى نيابة عن القطريين بعد ان كان ضيفا دائما على الجزيره التى فقدت مصداقيتها
المنصف المرزوقى اليسارى التونسى وعلاقته المعروفه باخوان تونس وتواجده الدائم كظهير يسارى للتعبير عن (اتساع افق الجماعه للاخر)
برهان غليون السورى وعلاقاته العجيبه بالجماعات المقاتله فى سوريا ، بل و جبهة الانقاذ الاسلامية فى الجزائر !! ، ومقالاته ضيف دائم على الجزيره والعربى وغيرها من القنوات التابعه لتحالفات دعم الارهاب القطريه التركيه الايرانيه
جورج صبرا اليسارى السورى المدافع دائما وابدا عن الاخوان والمقاتلين فى سوريا وممكن ان نعتبره انه النظير السورى لدكتور رفيق
حبيب مع اخوان مصر من حيث اداءه دور الديكور التجميلى باعتباره مسيحيا !!
هذه مجرد امثله حرصت ان تكون من اطياف عربيه مختلفه لتتاكد انك امام حاله عامه وليست مسأله خاصه بمصر
نحن امام استراتيجيه كامله يتم تطبيقها على نطاق واسع
لاحظ اننى اتكلم بافتراض الرابط الفكرى فقط وهو لم يظهر الا بدءا من الثمانينات تقريبا (وسنفهم لماذا فيما بعد)، ولا اتناول اى ادوار استخبراتيه غربيه هنا ( رغم يقينى الكامل بوجودها) ، قبل هذا كان العداء بين الطرفين مستحكما ، فالاخوان بالنسبه لليسار كانوا قوى الرجعية ، واليسار كان بالنسبه للاخوان قوى الالحاد وتخريب الدين
ملاحظة اخرى : عندما تنحى عادل حسين فى التسعينات عن الحزب والجريدة تركها لمجدى حسين ، ابن اخيه احمد حسين السياسى الشهير ، والذى اتجه بقوة اكثر الى الاخوان وفكرهم ، واغلب كتبه ومقالاته كانت تعبيرا صرفا عن ما يعرف باليسار الاسلامى ، الجناح اليسارى لجماعة الاخوان والتى نجحت اخيرا فى ضمه اليها بعد منافسه شرسه عبر عقود وسردناها اختصارا فى تلك المقالات ، مجدى حسين ده عمل حزب الاستقلال ، اللى كان برضه احد برافانات الاخوان بعد الثورة ، وبمجرد ازالة مرسى من السلطة انضم فيما عرف باسم التحالف الوطنى لدعم الشرعيه ، واللى كلنا عارفين انه كيان اخوانى صرف لكل حلفاءهم او عملاءهم ، وده يوريك ازاى سياسى يسارى منافس للاخوان زى احمد حسين ، انتهى الامر بحزبه وابنه الى احضان الاخوان!
انظر مجدى حسين الى اليمين مع اسماعيل هنيه رئيس وزراء حماس الاخوانية
ملاحظة اضافية: ابراهيم شكرى ، شريك عائلة حسين فى حزب العمل ، ابنه اسماعيل ، يبقى زوج منى البرادعى ، اخت د.محمد البرادعى ، وحاول يدخل البرلمان مرتين وفشل (قبل وبعد الثورة) وربما ده كان نهاية العمل السياسى فى الاسره مؤقتا ، شفت الدنيا ضيقه ازاى؟! وهو ما اشار اليه اللواء عمر سليمان فى لقاء تلفزيونى انه التقى بقوى المعارضه وعندما سؤل عن البرادعى ، فقال لا ، البرادعى له مجموعته و يتعامل مع الاخوان ، انا بقربك من بعض الصلات اللى ممكن تربط البرادعى الليبرالى بالاخوان!! لقد كانت الصله عادة عبر الكوبرى اليسارى !
باختصار منذ الثمانينات كان هناك توظيف كامل لقوى اليسار سواء قومى او ماركسيين متطرف (اشتراكيين ثوريين مثلا) ، للتخديم على الجماعة وتوفير جناح تنظيرى مثقف لمخاطبة القطاعات الواسعه التى لن تقبل بالخطاب الاخوانى التقليدى
لكن لماذا الثمانينات ؟ لماذا نجحت الجماعة فى الثمانينات والتسعينات تحديدا فى جذب اليسار اخيرا ليخدمها واستمر هذا لليوم؟
هذا ما سنتكلم عنه الحلقة القادمة
------------------------------------
Comments
Post a Comment