بعد ان نشر الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء فى مصر مجموعة من الاحصاءات الخاصه بالدخل والانفاق عن عام 2018 تسابقت الصحف و المواقع و صفحات السوشيال ميديا على تناول عنوان تطابق فى مضمونه تقريبا
تحدث الكل دون استثناء عن ارتفاع مستوى ( نسبة ) الفقر فى مصر من 27.8% الى 32.5% تقريبا
اى بزيادة 4.7% عن عام 2015
تم استعمال النسبه التى ذكرها الجهاز الحكومى الرسمى المسئول عن الاحصاءات فى مصر من قبل معارضى الحكومه ومناهضى اجهزة الدولة المختلفه بشكل مكثف ومسيس ( وشديد السطحية عمدا ) للتدليل على ما رأوه فشلا للنظام الذى يبغضونه بشدة
انظر لما قالته الجزيرة ,و البى بى سى و باقى الجوقة المعروفة والمواليه للثلاثى الداعم لحركات الفوضى فى الشرق العربى ( ايران و تركيا وقطر) من خلال حركات الاسلام السياسى و على رأسها كانت جماعة الاخوان المصنفه ارهابيه فى عدة دول عربيه ومن ضمنها مصر
العنوان الذى استعملته البى بى سى هو عنوان شديد السطحيه والغوغائيه
اذن ان اى مواطن هو المستهدف من اى قرار اقتصادى او سياسى عادة
واى عملية اصلاح اقتصادى او غيرها ، سواء تتم بشكل صواب او خطأ ، فان المواطن ، اى مواطن ، هو من يستفيد منها ، وهو ايضا من يدفع ثمنها ، هذا هو الطبيعى فى اى مكان فى العالم
لا معنى اذ لهذا السؤال والذى يظهر الامر وكأنما من المفترض ان يدفع ثمن الاصلاح الاقتصادى كيان اخر غير المواطن ؟ سوى ما اعتادت عليه البى بى سى من تحريض وقح
اذن ما هى الحقيقه ؟
فلننظر للامر من عدة اوجه لنقيمه بشكل سليم
اول نقطه هنا ان التصريح جاء من مصدر حكومى مصرى ورسمى ، ورغم ان الرقم سلبى لاول وهله ، الا اننا لا نملك الا ان نحترم الشفافيه التى لا نشهدها كثيرا فى الوطن العربى ، والتى لم تمنع المصادر الحكوميه من نشر اى ارقام لديها ، سواء ايجابيه او سليه
هذا يجعله اكثر مصداقيه من جهة
ويجعلنا من جهة اخرى نتسائل عن موضوعية منتقديها ؟
فالتقرير به العديد من الارقام الايجابيه ، وسبق ايضا نشر ارقام كثيره ايجابيه على مدى السنوات الماضيه ، فلماذا كان هؤلاء يتجاهلون كل الارقام والاخبار الايجابيه التى تأتى من نفس المصادر ، التى هرعوا اليوم لاستقاء خبر سلبى منها يخدم فكرتهم ، مع ،غض البصر عن ظروفه المحيطه و تجاهل كل ما صاحبه من ارقام ايجابيه لا تخدم دعواهم
الحقيقه ان كل من استخدم التقرير فقد اى موضوعيه فى تجاهل او رفض اى بيانات حكوميه سابقه لمجرد انها كانت لا تتماشى مع هواه
اليوم هو يقبل التقرير من نفس المؤسسات التى كان يرفضها ويراها لا تتسم بالشفافيه ، فقط لمجرد ان هناك سطرا وافق رغباته
هذه النقطه الاولى
النقطه الثانيه هل حقا زيادة قدرها 4.7% فى نسبة الفقر ( اثناء الاصلاح الاقتصادى ) هو امر سلبى او مخيف ؟
لاحظ ان ما بين الاقواس هو الظروف المحيطه
تعال نتخيل ان لدينا شخص مصاب بالاعياء ويشعر بالام فى الجسم و يتساقط شعره تباعا ، فما هو شعورك تجاهه ؟
ببساطه ستشعر بالرثاء له ، لانه مريض و يحتاج علاجا
لكن عندما تعرف ان الظروف المحيطه به ، هى انه مريض بالسرطان ، و انه يتلقى حاليا علاجا كيماويا مكثفا ، نجح فى ايقاف تطور الورم الخبيث ، بل وبدأ المؤشرات تقول انه يتراجع وان حالة المريض الان تحسنت ، واصبح قادرا على تحمل الالم الذى كان لا يطاق ، ولا يستجيب الا لاقوى المسكنات المخدرة ، واصبح اليوم الالم مقبولا حتى بدون مسكنات
... عندها ستشعر بالسعاده من اجل المريض الذى يتحسن ويشفى من مرضه
هل تستوعب التغيير فى رد فعلك على نفس الصوره فى المرتين
رغم ان صورته كماهى ، مريض لديه اعياء وبعض الالم فى الجسم وشعره يتساقط ، لكن عندما اخبرناك بالصوره كامله والظروف املحيطه ، تفهمت ان هذا تحسن مقارنه بحالته السابقه ، و ان تلك الاعراض الجانبيه للعلاج ، ستكون مؤقته غالبا ، كما انها افضل من الوفاه على اية حال !! اليس كذلك ؟
هنا نتحدث عن اقتصاد مأزوم بلغ به ذروة الازمه فى 2016 لاسباب كثيره بعضها مزمن وبعضها حاد ، الى تم اتخاذ قرار بدء العلاج القوى ، الاصلاح الاقتصادى
من الاعراض الجانبيه المفهومه والطبيعيه جدا للاصلاح الاقتصادى ، والذى شمل فى مصر رفع الدعم وتحرير سعر الصرف ، ان تزداد الصعوبات الماليه وينخفض مستوى المعيشه بعض الشىء اثناء تلقى العلاج ، الى ان ينتهى ، ويستجيب الجسد ويبدأ فى النهوض والتحسن والشفاء
من الطبيعى ان تزداد نسب الفقر ، كما انه من الطبيعى ان يتساقط شعر المريض ، اثناء العلاج ، هذه اعراض مؤقته وطبيعيه
ومن الحماقه تصوير الامر على ان العلاج سىء ، يعنى تفضيل السرطان على العلاج لانه يتسبب فى تساقط الشعر او الاعياء لبعض الوقت ، لان البديل هو الوفاه ، سواء للمريض ، او الاقتصاد ، ولنا فى فنزويلا مثلا عبره
حسنا
هل ارتفاع نسب الفقر فى الحاله المصريه كانت ضخمه و مرعبه مثلا ؟
هل ارتفاع نسب الفقر فى الحاله المصريه كانت ضخمه و مرعبه مثلا ؟
لن نقول رأيا الان ... لابد من المقارنة مع حالات اخرى تم فيها عملية اصلاح اقتصادى بسبب ازمة فى دوله ذات اقتصاد ناشىء
حالات حدث فيها عملية تعويم مثلا وصاحبه تضخم و ترشيد انفاق على الدعم وغيره من اوجه الانفاق الحكومى
الحاله الاولى ..المكسيك وازمة 1994م
المكسيك دوله ناميه ذات اقتصاد ناشىء ونامى ، واقتصادها اكبر من الاقتصاد المصرى وهى من مجموعة العشرين وجارتها هى الدوله الاقوى اقتصاديا فى العالم ، الولايات المتحده ، ما يجعلها قبله للاستثمارات الامريكيه وهو وضع مميز بلا شك
بامكانك ان تقرأ مقالا عن ازمة المكسيك بشكل مفصل هنا
ما يعنينا هنا نسب الفقر
نتيجة تعويم العمله المكسيكيه والاجراءات التى تم اتخاذها ، وصلت نسب الفقر المدقع من 20% الى 40% تقريبا
طبعا معدلات الفقر كانت اكبر من هذا بكثير ، لكن ذكرت لك (الفقر المدقع) ، الذى تضاعف ، ووصل الى نسبه اكبر حتى من معدل الفقر فى مصر ، وبمعدل زيادة هائل كما ترى
هنا حدثايضا تخفيض فى الرواتب والاجور بنسبه بين 25-35% تقريبا
وهو امر لم يحدث فى مصر ، بل حدث العكس حتى الان
مصر رفعت الحد الادنى للاجور بنسبة 66% تقريبا ، من 1200 جنيه الى 2000 جنيه مصرى
بل واشتمل التقرير ايضا على ان دخل الاسر المصريه فى المتوسط ارتفع من 44 الف جنيه فى 2015
الى 59 الف جنيه فى 2017/ 2018
بمعدل زيادة يصل الى 34% تقريبا
لاحظ ان بدء برنامج الاصلاح الاقتصادى كان فى نوفمبر 2016 ، يعنى الاحصاءات تدرس العام المالى التالى مباشرة لبدء العمليه ، بعد مرور نحو 7 اشهر فقط على التعويم وبدء تخفيض الدعم ، يعنى فى عز العلاج وصعوباته
الحالة الثانية ...روسيا وازمة 1998م
روسيا احدى القوى العظمى فى الكره الارضيه ، واحد كبر مصدرى النفط والغاز فى العالم ، اكبر دوله فى العالم من حيث المساحه ومن اكبر مصدرى المحاصيل الزراعيه ومنتجيها
ورغم كل هذا سقطت فى ازمة خانقة عام 1998 سبق ان تحدثنا عنها ، بامكانك مراجعتها هنا
ورغم ان البيانات الكامله غير متاحه لكن لدينا مؤشرات كافيه للحكم على الاوضاع
الصورة السابقة من دراسة اقتصاديه تمت ونشرت بخصوص الازمة الروسية وبامكانك مراجعة المصدر هنا
ستجد بوضوح ان الازمه دفعت 30% من الشعب الروسى الذى كان فوق خط الفقر ، الى ما تحت خط الفقر ،
لاحظ ان هذه ليست نسبة الفقر ،وانما نسبة الفقراء الجدد فقط ، والتى يناظرها عندنا فى مصر نسبة 4.7% تقريبا المعلنه
وان الفقراء الجدد كانوا نحو 43 مليون نسمه ( اكثر من اجمالى الفقراء فى مصر الان ) تقريبا
واذا علمت ان الشعب الروسى اصلا كان فى ازمه منذ بداية التسعينات بسبب تفكيك الاتحاد السوفيتى تسببت فى انتشار الفقر منذ هذا التاريخ ، فلك انت تتخيل بسهوله ان اغلب الشعب الروسى كان تحت خط الفقر ، والتسعينات لكل من عاصرها شهدت وفود افواج الروسيات للعمل فى اى شىء ، اى شىء سواء كان شرعى او غير شرعى ، فى مصر وغيرها
وللتذكرة انظر الى معدلات سعر الصرف للروبل الذى هوى من 5 روبل لكل دولار ، الى نحو 30 روبل لكل دولار فى عام واحد ، اى تضاعف سعر الدولار ست اضعاف ، بينما لم يحدث نصف هذا فى مصر حيث ارتفع السعر من 8.5 تقريبا الى 18 جنيه
طبعا تسبب هذا فى موجة تضخم هائلة وصلت الى اكثر من 130% تقريبا
بينما لم تتجاوز النسبه فى مصر 35% تقريبا
ورغم هذا فانت تتحدث عن الفقر ونسبته و تتعامى عن ما حدث فى دول افضل منك اقتصاديا بكثير عندما مرت بازمه اجبرتها على اتخاذ اجراءات اقتصاديه قاسية
الحالة الثالثة ...الارجنتين وازمة 2001
الارجنتين اقتصاد ناشىء ، واحده من دول العشرين ولديها صناعة متطورة وصادرات جيده متنوعه ، اضافة الى مراعى واسعه جعلتها تتصدر قوائم انتاج وتصدير اللحوم فى اوقات عديده مع دول اخرى
ورغم هذا فقد مرت بازمة قويه فى 2001
فلننظر الى هذا الجدول لنرى نسب الفقر فى الارجنتين ، والبيانات من البنك الدولى فى الاساس
ما بين 2001 اى بداية الازمة و اتخاذ الاجراءات لعلاجها ، الى 2003 حيث امتدت تاثيراتها
نجد نسبة الفقر زادت من 35.9% الى 57.5 % كذروة
21.6 % زيادة بلغت
فى مقابل 4.7% فى مصر
والفقر المدفع تضاعف من 11.6% تقريبا ، الى 27.5% تقريبا
الامر واضح ولا يحتاج لشرح
ستجد انه تدريجيا بمرور السنوات عادت النسب تقريبا الى معدلاتها قبل الازمه فى 2005 ، يعنى بعد 4 سنوات تقريبا
وتحسنت بعد ذلك
حسنا
ما هو وضع مصر فى العالم من حيث مشكلة الفقر ؟
انظر للخريطة
وهى تتحدث عن نسب الفقر المدقع فى كل دوله توفرت لها معلومات اثناء الدراسة عام 2017
الامر واضح
الحقيقه ان بدون ارقام ، بمجرد الالوان ، ستجد ان النسب فى مصر جيده ، وافضل مثلا من الهند و جنوب افريقيا ، بل ورومانيا واندونيسيا واغلب دول افريقيا
اما بالارقام سنخبرك التالى بخصوص الدول ذات اللون الاصفر وتبدو كلها متشابهه
مصر كانت نسبة الفقر المدقع الشديد 1.3% تقريبا طبقا للخريطة
الهند 21.2% تقريبا
البرازيل 3.4% تقريبا
تشيلى 1.3% تقريبا
باكستان 4% تقريبا
الصين 0.7% تقريبا
جنوب افريقيا 18.9% تقريبا
اسبانيا 1% تقريبا
ايطاليا 2% تقريبا
بريطانيا 0.2% تقريب
امريكا 1.2% تقريبا
المكسيك 2.5% تقريبا
الفقر متعدد الأبعاد
هناك ايضا معايير اخرى لقياس الفقر
الخريطة تتحدث عن الفقر متعدد الابعاد
Multidimensional Poverty
كمفهوم اوسع
ومبنيه على دراسات لاغلب الدول الناميه
هل ترى الامر بوضوح ؟
الحقيقه كما تراها ان مصر افضل من اغلب دول العالم فى الدراسة المقارنة
بالارقام
نسبة مصر تقريبا 3.6% فقط
تعالى نشوف الدول ذات اللون الفاتح ، باعتبار ان الالوان الداكنه لا تحتاج شرح او مقارنه
جنوب افريقيا 11.1% تقريبا
البرازيل 5.3% تقريبا
2.8 % المكسيك تقريبا
الصين 5.2 % تقريبا
15.5% اندونيسيا
الجزائر 1.5% تقريبا
مؤشر فجوة الفقر ..شدة الفقر
انظر للخريطة
من الواضح ان مصر فى وضع جيد طبقا للالوان ، لكن هذا لا يكفى
تعال نرى الارقام
مصر 0.2% تقريبا
المغرب 0.2% تقريبا
البرازيل 1.2% تقريبا
امريكا 1% تقريبا
المكسيك 0.6 % تقريبا
تشيلى 0.8% تقريبا
الصين 0.2% تقريبا
اندونيسا 0.9% تقريبا
ايطاليا 1.4% تقريبا
اسبانيا 0.6% تقريبا
جنوب افريقيا 6.2% تقريبا
الارقام لا تحتاج لشرح كما ترى
توزيع الفقراء بشكل مدقع فى العالم
حتى اذا رغبنا فى الحديث عن اعداد الفقراء بشكل مدقع فى العالم ، انظر الى هذا الشكل
سترى الهند تتصدر العالم ، وطبعا سيتعامى اصحاب نظرية ، ياريت نبقى زى الهند عن هذه الحقيقه المعروفه
سترى نيجيريا اكبر اقتصاد فى افريقيا
سترى الصين واندونيسيا و باكستان
سترى البرازيل
بل سترى جنوب افريقيا
ورغم انك ترى امامك اغلب دول افريقيا ، الا انك لن تتمكن من رؤية مصر والحمدلله
لماذا ؟
لان النسب والاعداد بسيطه جدا مقارنة بباقى دول العالم
هذه هى الارقام المجردة ، وما تقوله واضح تماما امام محاولات تزييف الوعى المستمره
اذن هل الامور فى مصر تمام ؟
مصر دوله ناميه من دول العالم الثالث ، بها فقراء كغيرها من دول العالم ، وتقوم بعملية اصلاح اقتصادى جذرى يشبه عملية العلاج بالكيماوى للسرطان ، سيبقى فى مصر فقراء بلا شك شأنها شأن اى بلد على وجه الارض ، وما نراه من ارتفاع من نسبة الفقراء على الرغم انها بشكل مجرد ، امر محزن و يستدعى المزيد من العمل للتخفيف من حدته والعمل على القضاء عليه
الا انه نظرا لانخفاض النسبه مقارنة بغيرها من الدول التى مرت بعملية اصلاح اقتصادى ، وسبق ان اوضحنا عدة امثله لها ، فان الامر لا يستدعى القلق الى الان ، بل انه يشير بشكل واضح الى الاهتمام الحكومى برفع مستوى الدخل وهو ما اثبته التقرير نفسه من ارتفاع دخل الاسر المصريه فى المتوسط من 44 الف جنيه الى 59 الف جنيه تقريبا فى السنه ،بمعدل يتجاوز الثلث
اضافة الى ارتفاع الحد الادنى للاجور من 1200 الى 2000 جنيه ، بمعدل 66% تقريبا ، اى الثلثين
اضافة الى برامج الرعاية الاجتماعيه للفئات الاكثر فقرا سواء التى تمت او التى يتم العمل عليها الان ومستقبلا
كل هذا يجعلنا نرى ، وبالمقارنه مع غيرنا ، انه كانت هناك خطة حكوميه واضحه للتخفيف من اثار الاصلاح الاقتصادى ، جعلت نسبة ارتفاع الفقر ، اقل كثيرا جدا من نظيراتها من الدول فى الازمات الاقتصادية والتى تم اتخاذ اجراءات متقاربه مع ما قامت به مصر مؤخرا خلال العامين الماضيين
ونستطيع ان نقول بناء على الارقام ان هذه الخطة نجحت بشكل كبير فى تخفيض حدة زيادة الفقر الى رقم محدود للغايه مقارنة بما حدث فى الحالات الاخرى التى عرضناها ، وهو على عكس ما يريد ان يقوله مناهضى مؤسسات الدوله المصريه ، يعتبر نجاحا ، وشفافيه تحسب لها ، نظرا لاستحالة القيام بعملية اصلاح اقتصادى مماثله دون ان يصاحبها بعض الاعراض الجانبيه المؤقته بطبيعتها كارتفاع نسب الفقر واقتصار الارتفاع على نسبه محدوده تقل عن 5% فقط
Comments
Post a Comment